صاحب الخضر ، قالت : وأنا امرأة الخضر ، فتزوجها فولدت له ، وكانت ماشطة ابنة فرعون.
فقال أسباط عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنها بينا هي تمشط ابنة فرعون سقط المشط من يدها فقالت : سبحان ربي ، فقالت ابنة فرعون : أبي ، قالت : لا ، ربي ورب أبيك ، فقالت : أخبر أبي؟ قالت : نعم ، فأخبرته فدعا بها ، وقال : ارجعي ، فأبت ، فدعا ببقرة (١) من نحاس ، وأخذ بعض ولدها فرمى به في البقرة وهي تغلي ، ثم قال : ترجعين؟ قالت : لا ، فأخذ الولد الآخر حتى ألقى أولادها أجمعين ، ثم قال لها : ترجعين؟ قالت : لا ، فأمر بها قالت : إنّ لي حاجة ، فقال : وما هي؟ قالت : إذا ألقيتني في البقرة فأمر بالبقرة أن تحمل ثم تكفأ في بيتي الذي على باب المدينة ، وتنحّي البقرة وتهدم البيت علينا حتى يكون قبورنا ، فقال : نعم ، إن لك علينا حقا ، قال : ففعل بها ذلك.
قال ابن عباس ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «مررت ليلة أسري بي فشممت رائحة طيبة ، فقلت : يا جبريل ، ما هذا؟ فقال : هذا ريح ماشطة [ابنة](٢) فرعون وولدها» [٣٩٩٤].
قال القاضي (٣) : في هذين الخبرين عظة ومعتبر ، وتنبيه لمن عقل ومزدجر ، وفي بعض ما اقتضى (٤) فيها ما دعا ذوي النهى إلى الصدق وحفظ الأمانة ، وحذّر من ركوب الغدر والخيانة ، وفي خزن السر وحياطته وصونه وحراسته ما لا يختل (٥) على الألباء وفور فضيلته كما لا يذهب عليهم ما في إفشائه وإضاعته من سقوط القدر ، وقبيح الذكر ، وما يكسب صاحبه من حطّه عن منزلته من يشرف ويعتمد عليه ، ويؤتمن ويركن في جلائل الخطوب إليه ، والناس في هذين الخلقين المتناقضين معافى مكرم ، ومبتل مذمم ، وقد قال بعض من افتخر بالخلق الكريم منهما :
__________________
(١) كذا ، وفي الجليس الصالح وبغية الطلب : بنقرة. والنقرة : قدر يسخن فيها الماء وغيره (اللسان) ، وقد يكون سمي هذه القدر الكبيرة «بقرة» إما لأنها كبيرة واسعة كالبقرة لكبرها ، وإما لأنها قد تكون صنعت على صورة بقرة؟! والله أعلم.
(٢) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٣) هو أبو الفرج المعافي بن زكريا صاحب كتاب الجليس الصالح الكافي.
(٤) الأصل وم «اقتص» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٥) الجليس الصالح : يحيل.