إنك امرؤ قد جعل الله لك شرفا وسابقة في هذا الدين ، وفضيلة عظيمة في الإسلام ، والناس ناظرون إليك ومستمعون منك ، وقد خرجت في هذا الوجه ، وأنا أرجو أن يكون خروجك بنية صادقة ، فثبّت العالم وعلّم الجاهل ، وعاتب السفيه المترف ، وانصح لعامة المسلمين ، واحضض الوالي على الجند بنصيحتك ومشورتك بما يحق [لله](١) وللمسلمين ، واعمل لله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى ، واعلم أنّا عما قليل ميتون ثم مقبورون ثم مبعوثون ثم مسئولون ، جعلنا الله لك (٢) لأنعمه من الشاكرين ولعقابه من الخائفين ، ثم أخذ بيده فودعه ، ثم أخذ بأيدي إخوته بعد ذلك فودعهم واحدا واحدا ، وودعهم المسلمون.
ثم دعوا بإبلهم فركبوها وكانوا يمشون مع أبي بكر ، ثم قيدت خيلهم معهم بهيئة حسنة.
فلما أدبروا قال أبو بكر : اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، واحطط أوزارهم ، وأعظم أجورهم ، ومضوا إلى العسكر الأعظم.
قال : وأنا إسحاق ، قال : قال ابن إسحاق إن خالد بن سعيد خرج وهو بمرج الصّفّر في يوم مطير ليستمطر فيه فقتله أعلاج من الروم.
قال : ونا إسحاق ، قال : قال غياث : حدّثني عبد الحميد بن سالم مولى آل عمرو بن العاص عن أشياخ لهم ، قالوا : لما قتل الرومي خالد بن سعيد ، قلب ترسه وأسلم واستأمن وقال من الرجل الذي قتلنا فإني رأيت له نورا ساطعا في السماء.
وقد قال خالد بن سعيد وهو يقاتل تلك الأعلاج من الروم (٣) :
هل فارس كره (٤) النزال يعيرني |
|
رمحا إذا نزلوا بمرج الصّفّر |
أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا محمّد بن علي السيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ،
__________________
(١) زيادة لازمة.
(٢) في المختصر : جعلنا الله وإياك لأنعمه.
(٣) البيت في فتوح البلدان للبلاذري «وقعة مرج الصفر» ط دار الفكر بيروت ص ٢٦٥٠ والوافي بالوفيات ١٣ / ٢٥٣.
(٤) فتوح البلدان : كره الطعان.