إلاّ أنّي لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية ولا في مسألة جزئية ، وإنما كتبه مجرّد جمع وتأليف ، ولم يتكلّم في شيء منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال أو بحث أو إختيار مذهب وقول في ذلك المجال ، ولا أدري أن ذلك لقصور درجته عن رتبة النظر والإستدلال أم تورّعاً من ذلك ... » (١).
وإن أشهر رواة الأحاديث التي ذكرناها وغيرها وأعظمهم هو الشيخ محمد
ابن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٩. روى تلك الأخبار في كتابه ( الكافي ) الذي هوأهم الكتب الأربعة المشهورة بين الشيعة الإمامية.
لقد كان ـ وما زال ـ التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الإهتمام بين العلماء والكتّاب ، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متّفق عليها بين المسلمين ، فنسب إليه بعض المحدّثين من الشيعة القول بالتحريف إعتماداً على ظاهر كلامه في خطبة كتابه « الكافي » ، ونفي ذلك آخرون ، وحاول بعض الكتّاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها ـ بزعمه ـ بعد وصف « الكافي » بـ ( الصحيح ) لكنها محاولة يائسة كما سنرى.
لقد تقدّم في الفصل الثاني من هذا البحث ذكر أهم الأخبار التي رواها الكليني في « الكافي » وبيّنّا ما في كلّ منها من مواقع النظر أو وجوه الجواب ، بحيث لا يبقى مجال للقول بأنها تدل على تحريف
__________________
(١) لؤلؤة البحرين : ٦٣.