رسلكما ، أليس ما كان في الإسلام خيرا مما كان في الجاهلية؟ قالا : بلى ، قال : فملكي خير من ملككم ، قال : ثم مشيا معه حتى أتى منزله ، فدخل وأذن لهما ، فقال لهما : إنّ الشاعر يقول :
جاءت لتصرعني فقلت لها ارفقي |
|
وعلى الرفيق من الرفيق ذمام |
وقد صحبتماني من حيث رأيتما ، ولكما بذلك عليّ حقّ وذمام ، فإن أحببتما أن ترفعا ما كانت لكم من حاجة الساعة ، وإن أحببتما أن تنصرفا ، فتذاكرا على مهلكما فعلتما ، قالا :
ننصرف يا أمير المؤمنين ، قال : فما رفعنا إليه حاجة إلّا قضاها.
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا أبو محمّد المصري ، أنا أحمد بن مروان ، نا ابن قتيبة ، نا عبد الرّحمن ، عن الأصمعي ، عن أبي الزّناد ، قال :
قال عبد الملك بن مروان : ما يسرني أن أحدا من العرب ولدني إلّا عروة بن الورد لقوله (١) :
إنّي امرؤ عافي (٢) إنائي شركة |
|
وأنت أمرؤ عافي (٣) أنائك (٤) واحد |
أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى |
|
بجسمي مسّ الحقّ (٥) والحقّ جاهد |
أقسّم جسمي في جسوم كثيرة |
|
وأحسو قراح الماء والماء بارد |
يريد أنه يقسم قوته على أضيافه ، يعني أراد مكانه قسم قوته على أضيافه ، فكأنه قسم جسمه ، لأن اللحم الذي كان ينبته ذلك الطعام صيّره لغيره ، ويحسو ماء القراح في الشتاء ووقت الجدب والضيق ، لأنه يؤثر باللبن أضيافه ، ويجوّع نفسه حتى نحل جسمه ، وهذا شعر شريف المعاني والألفاظ.
وقال آخر في مثله :
إذا ما عملت الزاد فالتمسي له |
|
أكيلا فإنّي غير آكله وحدي |
بعيدا قضيا أو قريبا فإنّني |
|
أخاف مذ مات الأحاديث من بعدي |
وكيف يشبع المرء زادا وجاره |
|
خفيف المعا بادي الخصاصة والجهد |
__________________
(١) الأبيات في ديوان عروة بن الورد ط بيروت ص ٢٩.
(٢) الأصل وم : عاف.
(٣) الأصل وم : عاف.
(٤) الأصل وم : أناوك ، والمثبت عن الديوان.
(٥) الديوان : بوجهي شحوب الحق.