قلنسوته وجعل يضربه حتى وقع من رأسه حتى أدماه ، وهو يقول : يا ابن فلانة تقتل الغسّاني وتتعصب ، فلو أنك إذ خرجت من دينك عممت ، ولكن تعصبت ، فمن يعدل بين الناس؟.
قال الربيع بن حظيان : فقمت فجلست خارج البيت ، فلما فرغ عبد الوهّاب أخذت بيده فصببت عليه من كوز كان إلى جانبي فغسل وجهه ومضى ، وعدت إلى المنصور.
قال الرازي : وأخبرني محمّد بن جعفر بن هشام ، نا أبو عبيد الله معاوية بن صالح ، أخبرني محمّد بن سماعة الفلسطيني ، حدّثني غير واحد من مشيختنا.
أن عبد الوهّاب بن إبراهيم ولي فلسطين للمنصور ، فأخربها ، فوجّه إليه المنصور أن احمل إليّ إبراهيم بن أبي عبلة وابن مخمر الكناني لأسألهما عن أمر البلد ، فدعا بهما عبد الوهّاب ، فغداهما ، ثم غلفهما بالغالية (١) بيده ثم قرأ عليهما كتاب المنصور وأشخصهما إليه ، فلما قدما ودخلا على المنصور أدنى مجالسهما ، ورفعهما ، وقال : يا ابن أبي عبلة ، كيف تركت البلد؟ فقال : يا أمير المؤمنين لقد قرأت العهود منذ زمن الوليد بن عبد الملك ، فما سمعت عهدا أحسن من عهد عهدته إلى عبد الوهّاب ، لكنه عمد إلى جميع ما أمرته به ، فاجتنبه ، وإلى جميع ما نهيته عنه فارتكبه ، وقال ابن مخمر الكناني : يا أمير المؤمنين ، ترك ابن أخيك البلد كهذا الطائر ، وأخرج من كمه طائرا قد نتفه.
فقال المنصور : ما له قبّحه الله ، قد عزلته ، فاختاروا من أحببتم.
فاختاروا العباس بن محمّد ، فولّاه عليهم.
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، وأبو منصور بن زريق ، قالا : قال لنا أبو بكر الخطيب (٢) :
عبد الوهّاب بن إبراهيم الإمام بن محمّد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطّلب صاحب سويقة عبد الوهّاب ببغداد ، ولي الشام لأبي جعفر المنصور ، وكان عظيم القدر ، ومات بالشام.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو علي بن صفوان ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني أبو محمّد الرملي ، حدّثني أبو عمير بن النحاس ، حدثتني أمي عن خال أخيها ، قال :
__________________
(١) الغالية : نوع من الطيب.
(٢) تاريخ بغداد ١١ / ١٧ ـ ١٨.