ثم قال : والله لكأنّي أنظر إلى شؤبوبها قد همع ، وعارضها قد لمع ، وكأنّي بالوعيد قد أورى نارا تسطع (١) ، فأقلع عن براجم بلا معاصم ، ورءوس بلا غلاصم ، فمهلا ، فبي ، والله سهل لكم الوعر ، وصفا لكم الكدر ، ألقت الأمور إليكم أثناء أزمّتها ، ونذار ، لكم نذار ، قبل حلول داهية خبوط باليد ، لبوط بالرجل ، فقال عبد الملك : اتّق الله يا أمير المؤمنين فيما ولّاك ، وفي رعيته التي استرعاك ، ولا تجعل الكفر مكان الشكر ، ولا العقاب موضع الثواب ، قد نخلت لك النصيحة ، ومحضت لك الطاعة ، وشددت أواخي ملكك بأوثق (٢) من ركني يلملم ، وتركت عدوك مشتغلا فالله الله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن بللته ، يظن أفصح الكتاب لي بعضهه (٣) ، أو ببغي باغ ينهس (٤) اللحم ، ويالغ (٥) الدم فقد والله سهّلت لك الوعور ، وذلّلت لك الأمور ، وجمعت على طاعتك القلوب في الصدور ، فكم ليل تمام فيك كابدته ، ومقام ضيّق لك قمته ، كنت فيه كما قال أخو بني جعفر بن كلاب :
ومقام ضيّق فرّجته |
|
ببياني (٦) ولساني وجدل |
لو يقوم الفيل أو فيّاله |
|
زلّ عن مثل مقالي وزحل |
قال : فقال الرشيد : أما والله لو لا الا بقاء على بني هاشم لضربت عنقك.
قال الطبري :
وذكر زيد بن علي بن الحسين العلوي قال : لما حبس الرشيد عبد الملك بن صالح دخل عليه عبد الله (٧) وهو يومئذ على شرطه ، فقال : أفي إذن أنا فأتكلم؟ قال : تكلم ، قال : لا والله العظيم يا أمير المؤمنين ، ما علمت عبد الملك إلّا ناصحا فعلام حبسته ، قال : ويحك ، بلغني عنه ما أوحشني ، ولم آمنه أن يضرب بين هذين ـ يعني الأمين والمأمون ـ فإن كنت ترى أن تطلقه من الحبس أطلقناه ، قال : أما إذ حبسته يا أمير المؤمنين فلست أرى في قرب المدة أن
__________________
(١) الأصل : يسطع ، وبدون إعجام في م ، والمثبت عن الطبري.
(٢) الأصل وم ، وفي الطبري : بأثقل.
(٣) الأصل وم : بعضه ، والمثبت عن الطبري.
(٤) الأصل : «نهش» وفي م : «ينهش» والمثبت عن الطبري.
(٥) الأصل : بالغ ، وفي م : «بالع» والمثبت عن الطبري.
ولغ الكلب في الإناء ، يلغ ويالغ أي شرب منه.
(٦) الطبري : ببناني.
(٧) الأصل وم : عبد الملك ، تحريف ، والمثبت عن الطبري.