نافسني فيك مودة القرابة وتقديم الولاية ، إنّك يا أمير المؤمنين خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمّته ، وأمينه على عترته ، لك عليها فرض الطاعة ، وأداء النصيحة ، ولها عليك العدل في حكمها ، والتثبت في حادثها ، والغفران لذنوبها ، فقال له الرشيد : أتضع لي من لسانك ، وترفع لي من جناحك ، هذا كاتبك قمامة يخبر بعملك وفساد نيتك ، فاسمع كلامه ، فقال عبد الملك أعطاك ما ليس في عقده ، ولعله لا يقدر أن يعضهني (١) ، ولا يبهتني بما لم يعرفه (٢) مني ، فأحضر قمامة ، فقال له الرشيد : تكلم غير هائب ولا خائف ، قال : أقول : إنّه عازم على الغدر بك ، والخلاف عليك ، فقال عبد الملك أهو ذا يا قمامة؟ قال : نعم ، لقد أردت ختل أمير المؤمنين ، فقال عبد الملك : كيف لا يكذب عليّ من خلفي وهو يبهتني في وجهي ، قال له الرشيد : وهذا ابنك عبد الرّحمن يخبرني بعتوّك وفساد نيّتك ، ولو أردت أن أحتجّ عليك بحجّة لم أجد أعدل من هذين لك فلم (٣) تدفعها عنك؟ فقال عبد الملك : هو مأمور ، أو عاقّ (٤) مجنون (٥) ، فإن كان مأمورا فمعذور ، وإن كان عاقّا ففاجر كفور ، أخبر الله عزوجل بعداوته وحذّر منه بقوله :
(إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)(٦).
قال : فنهض الرشيد وهو يقول : أما أمرك فقد وضح ، ولكنّي لا أعجّل حتى أعلم الذي يرضي الله فيك ، فإنه الحكم بيني وبينك ، فقال عبد الملك : رضيت بالله حكما ، وأمير المؤمنين حاكما ، فإنّي أعلم أنه يؤثر كتاب الله على هواه ، وأمر الله على رضاه.
قال : فلما كان بعد ذلك جلس مجلسا آخر ، فسلّم لما دخل ، فلم يردّ عليه ، فقال عبد الملك : ليس هذا يوما أحتج فيه ، ولا أجاذب منازعا وخصما ، قال : ولم؟ قال : لأنّ أوله جرى على غير السنّة ، فأنا أخاف آخره ، قال : وما ذاك؟ قال : لم تردّ عليّ السلام ، ولم أنصف نصفة العوام ، قال : السلام عليكم ، اقتداء بالسّنّة ، وإيثارا للعدل ، واستعمالا للتحية ، ثم التفت نحو سليمان بن أبي جعفر وهو يخاطب بكلامه عبد الملك :
أريد حباءه (٧) ويريد قتلي
البيت.
__________________
(١) تقرأ بالأصل : «يعصمني» والمثبت عن م والطبري.
(٢) عن م والطبري وبالأصل : تعرفه.
(٣) كذا الأصل وم ، وفي الطبري : فبم تدفعهما عنك؟.
(٤) الأصل : عان ، والمثبت عن م والطبري.
(٥) كذا بالأصل وم ، وفي الطبري : مجبور.
(٦) سورة التغابن ، الآية : ١٤.
(٧) الطبري : «حياته».