أخبرنا أبو العزّ كادش ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنا أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي (١) ، نا محمّد بن الحسن بن دريد ، أنا العكلي ، نا محمّد بن مرزوق ، نا هشام بن محمّد بن السائب ، عن عوانة بن الحكم ، وشرقي بن قطامي ، وأبي مخنف.
قالوا : لما انصرف خالد بن الوليد من اليمامة ضرب عسكره على الجرعة (٢) التي بين الحيرة والنهر ، وتحصن منه أهل الحيرة في القصر الأبيض (٣) ، وقصر ابن بقيلة (٤) فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى نفذت ، ثم رموه بالخزف من آنيتهم ، فقال ضرار بن الأزور : ما لهم مكيدة أعظم مما ترى ، فبعث إليهم : ابعثوا إليّ رجلا من عقلائكم أسائله ويخبرني عنكم ، فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيّان بن بقيلة الغسّاني ، وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة ، فأقبل يمشي إلى خالد ، فلما رآه قال : ما لهم أخزاهم الله بعثوا إليّ رجلا لا يفقه ، فلما دنا من خالد قال : أنعم صباحا أيها الملك ، فقال خالد : قد أكرمنا الله بغير هذه التحية ، بالسلام ، ثم قال له خالد : من أين أقصى أثرك (٥)؟ قال : من ظهر أبي ، قال : من أين خرجت؟ قال : من بطن أمي ، قال : على ما أنت؟ قال : على الأرض ، قال : فيم أنت ويحك؟ قال : في ثيابي ، قال : أتعقل؟ قال : نعم وأقيد قال : ابن كم أنت؟ قال : ابن رجل واحد ، قال خالد : ما رأيت كاليوم قط ، أسائله عن شيء وينحو في غيره ، قال : ما أجيبك إلّا عن ما سألت عنه ، فاسأل عن ما بدا لك ، قال : كم أتى لك؟ قال : خمسون (٦) وثلاثمائة ، قال : أخبرني ما أنتم؟ قال : عرب استنبطنا ونبط استعربنا ، قال : فحرب أنتم أم سلم؟ قال : بل سلم ، قال : فما بال هذه الحصون؟ قال : بنيناها لنحبس (٧) السفيه حتى ينهاه الحليم ، قال : ومعه سمّ ساعة
__________________
(١) الخبر بطوله في الجليس الصالح الكافي ١ / ٤٤٥ وما بعدها ، وانظر البيان والتبيين ٢ / ١٤٦ والمعمرين ٤٧ وآمالي المرتضى ١ / ٢٦٠.
(٢) الجرعة : الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل.
(٣) القصر الأبيض من قصور الحيرة ، ذكر في الفتوح أنه كان بالرقة ، قال ياقوت : وأظنه من أبنية الرشيد (معجم البلدان).
(٤) هو قصر بني بقيلة ، بناه عبد المسيح بالحيرة كما في آمالي المرتضى ، ولما بناه قال :
لقد بنيت للحدثان حصنا |
|
لو أنّ المرء تنفعه الحصون |
طويل الرأس أقعس مشمخرا |
|
لأنواع الرياح به حنين |
(٥) الأصل : أبوك ، والمثبت عن م والجليس الصالح وآمالي المرتضى.
(٦) أماي المرتضى : ستون.
(٧) الأصل وم : لتحبس ، والمثبت عن الجليس الصالح.