يقلبه في يده ، فقال له : ما هذا معك؟ قال : هذا السمّ ، قال : وما تصنع به؟ قال : أتيتك فإن رأيت عندك ما يسرّني وأهل بلدي حمدت الله ، وإن كانت الأخرى ، لم أكن أول من ساق إليهم ضيما وبلاء فآكله وأستريح ، وإنّما بقي من عمري يسير ، فقال : هاته ، فوضعه في يد خالد فقال : بسم الله ، وبالله ربّ الأرض ، ورب السماء الذي لا يضر مع اسمه داء ، ثم أكله ، فتجلّته غشية ، فضرب بذقنه على صدره ، ثم عرق ، وأفاق فرجع ابن بقيلة إلى قومه ، فقال : جئت من عند شيطان أكل سمّ ساعة فلم يضرّه ، أخرجوهم عنكم ، فصالحوهم على مائة ألف ، فقال له خالد : ما أدركت؟ قال : أدركت سفن البحر ترفأ (١) إلينا في هذا الجرف ، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج إلى الشام في قرى متواترة ما تزوّد رغيفا ، وقد أصبحت خرابا يبابا ، وكذلك دأب الله في العباد والبلاد ، وقال عبد المسيح حين رجع (٢) :
أبعد المنذرين أرى سواما |
|
تروّح بالخورنق والسّدير (٣) |
تحاماها فوارس كلّ حيّ |
|
مخافة ضيغم عالي الزئير |
وبعد فوارس النعمان أرعى |
|
رياضا بين دورة (٤) والحفير |
فصرنا بعد هلك أبي قبيس |
|
كمثل الشاء في اليوم المطير |
تقسّمها القبائل من معدّ |
|
علانية كأيسار الجزور |
وكنّا لا يباح لنا حريم |
|
فنحن كصرّة النّاب الضجور (٥) |
كذاك الدّهر دولته سجال |
|
تصرّف بالمساءة والسّرور |
قال القاضي : قول عبد المسيح لخالد لما سأله : ما أنتم؟ قال : عرب استنبطنا ونبط استعربنا ، معناه : إنّا عرب ونبط خالط بعضنا بعضا وجاوره ، فأخذ كل فريق منا من خلائق صاحبه وسيرته.
آخر (٦) الجزء الثالث والثلاثين بعد الأربعمائة (٧).
__________________
(١) الأصل : «ترقى» والمثبت عن م والجليس الصالح.
وأرفأت السفينة : إذا أدنيتها من وجه الأرض.
(٢) الأبيات في الجليس الصالح ١ / ٤٤٧ والمعمرين ٤٧ وأمالي المرتضى ١ / ٢٦٢ وتاريخ الطبري ٣ / ٣٦٢ ومعجم البلدان ٢ / ٤٠٢ و ٣ / ٢٠١.
(٣) الخورنق والسدير : قصران كانا بالحيرة.
(٤) الأصل وم ، وفي الجليس الصالح : «ذروة» ومثله في معجم البلدان ، وعجزه في أمالي المرتضى : مراعي نهر مرة فالحفبر.
(٥) فى الجليس الصالح : الفخور.
(٦) ما بين الرقمين ليس في م.
(٧) ما بين الرقمين ليس في م.