قال لي عمر بن عبد العزيز : أما دخلت على عبد الملك ـ يعني ابنه ـ قال : فأتيت الباب ، فإذا وصيف فقلت له : استأذن عليه فقال : أدخل فإنه عنده الناس أو أميرهم ، فدخلت عليه ، فقال : من أنت : قلت : ميمون بن مهران ، فعرف ، ثم حضر طعامه ، فأتي بقلية مدنية ـ وهي عظام اللحم ـ ثم أتي بثريدة قد ملئت خبزا وشحما ، ثم أتي بتمر وزبد ، فقلت : لو كلّمت أمير المؤمنين ، فخصك منه بخاصة؟ فقال : إنّي لأرجو أن يكون أو فى حظا عند الله من ذلك ، أي في ألف كان سليمان ألحقني فيهما ، والله لو كان إلى أبي في نفسي ما فعل (١) ولي غلّة بالطائف إن سلمت لي أتاني منها غلّة ألف درهم ، فما أصنع بأكثر من ذلك ، فقلت في نفسي : أنت لأبيك.
قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد ، عن نصر بن إبراهيم ، أنا أبو محمّد عبد الله بن الوليد الأنصاري ، أنا محمّد بن أحمد أبو عبد الله فيما كتب إلي ، أخبرني جدي عبد الله بن محمّد بن علي اللّخمي ، أنا أبو محمّد عبد الله بن يونس ، أنا بقي بن مخلد ، نا الدّورقي ، نا عبد الله بن جعفر الرّقّي ، نا أبو المليح ، عن ميمون بن مهران قال :
أتيت عمر بن عبد العزيز فجلست إليه ، فتحدثنا ، فلما أردت القيام قال لي : ألقيت عبد الملك؟ قلت : لا ، قال : فالقه ، قال : فأتيته ، فقلت لغلامه : استأذن لي ، قال : هو داخل عند أهله ، قال : قلت : قل هذا ميمون بن مهران يريد الدخول ، فإن أذن لي دخلت وإن لم يأذن انصرفت ، قال : فقام على الباب ، فقال : هذا ميمون بن مهران يريد الدخول ، قال : فسمعته يقول : أدخل ، قال : فدخلت فإذا خوان بين يديه عليه ثلاثة قرصة (٢) وقصعة فيها شيء من ثريد ، فقال : ادن فاطعم ، قال : فما منعني من الأكل معه إلّا بقاء عليه ، فاعتللت له بشيء ، فلما فرغ رفع طنفسة تحته ، فتناول من تحتها فلوسا ثم دعا غلامه فقال : اذهب فجئنا بعنب ، قال : فجاء بشيء صالح ، فألقاه على الخوان ، قال : والعنب يومئذ رخيص ، لأن عمر منعهم العصير ، قال : فقال : إن كان إنّما منعك من الأكل معنا الإبقاء علينا فكل من هذا فإنه رخيص ، قلت : من أين معاشك؟ قال : أرض لي أستدين عليها ، فإن أتى على رقبتها بعت فقضيت ، فقلت : فلعلك تستدين من رجل يشق عليه حبسك ، وهو يجعل ذاك لك لمكانك من أمير
__________________
(١) الأصل : فافعل ، والمثبت عن م.
(٢) قرصة جمع قرصة وقرص ، وهي الخبزة ، وتجمع أيضا على أقراص وقرص (تاج العروس بتحقيقنا : مادة : قرص).