الفرغاني ، أنا محمّد بن جرير الطبري ، قال (١) : قال أبو مخنف ، حدّثني عبد الرّحمن بن جندب الأزدي.
أن عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين تفقد أشراف أهل الكوفة ، فلم ير عبيد الله بن الحرّ ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه فقال : أين كنت يا ابن الحرّ؟ قال : كنت مريضا ، قال : مريض القلب أو مريض البدن؟ قال : أما قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فقد منّ الله عليّ بالعافية ، فقال ابن زياد : كذبت ، ولكنك كنت [مع عدونا ، قال : لو كنت مع عدوك لرئي](٢) مكاني ، وما كان مثل مكاني يخفى ، قال : وعقل عنه ابن زياد غفلة قال : فخرج ابن الحرّ فقعد على فرسه ، فقال (٣) ابن زياد : أين ابن الحرّ؟ قالوا : خرج الساعة ، قال : عليّ به ، وأحضرت الشرط فقالوا له : أجب الأمير ، فدفع (٤) فرسه ثم قال : أبلغوه أنّي لا آتيه والله طائعا أبدا ، ثم خرج حتى أتى منزل أحمر بن زياد الطائي فاجتمع إليه في منزله أصحابه ، ثم خرج حتى أتى كربلاء ، فنظر إلى مصارع القوم ، فاستغفر لهم وأصحابه ثم مضى حتى نزل المدائن وقال في ذلك (٥) :
يقول أمير غادر حق غادر : |
|
ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه |
ونفسي (٦) على خذلانه واعتزاله |
|
وبيعة هذا الناكث العهد لائمه |
فيا ندمي ألّا أكون نصرته |
|
ألا كل نفس لا تسدد نادمه |
وإني لأني لم أكن من حماته |
|
لذو حسرة ما إن تفارق لازمه |
سقى الله أرواح الذين تأزروا |
|
على نصره سقيا من الغيث دائمه |
وقفت على أجداثهم ومجالهم |
|
فكاد الحشا ينفضّ والعين ساجمه |
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى |
|
سراعا إلى الهيجا حماة خضارمه |
تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم |
|
بأسيافهم آساد غيل ضراغمه |
فإن يقتلوا فكل نفس تقية |
|
على الأرض قد أضحت لذلك واجمه |
وما إن رأى الراءون أفضل منهم |
|
لدى الموت سادات وزهرا قماقمه |
__________________
(١) الخبر في تاريخ الطبري ٥ / ٤٦٩ (حوادث سنة ٦١) والكامل لابن الأثير بتحقيقنا ٣ / ٢٥.
(٢) ما بين معكوفتين استدرك عن الطبري ، ومكانه بالأصل وم : «كنت من عدوي برأي مكاني».
(٣) بالأصل وم : فقال له ابن زياد.
(٤) الأصل وم : فرفع ، والتصويب عن الطبري.
(٥) الأبيات في تاريخ الطبري ٥ / ٤٧٠ والكامل لابن الأثير ٣ / ٢٥.
(٦) البيت ليس في تاريخ الطبري.