فقلت له : هل خصك أمير المؤمنين بشيء؟ أو جعل لك مطبخا؟ أو جعل لك فراشين؟ أو أقررك بشيء من المال؟ قال : إني لفي كفاية ونعمة من الله عظيمة ، وما أحتاج إلى ذلك مع أمير المؤمنين ما أبقى الله أمير المؤمنين ، قال : فكسر عليّ كلامي وحجتي ، قال : ثم ابتدأني فقال لي : يا سليمان ، إن أمير المؤمنين قد صنع الله به خيرا ، وسدده ووفقه ، وأعانه على ما هو عليه إلى يومي هذا ، قال : ثم نظر إلى ذباب الحائط واقع ، فقال : يا سليمان والله لأن تخرج نفس أمير المؤمنين أحبّ إليّ من أن تخرج نفس هذا الذباب ، قال : فأعظمت ذلك ، قال : فكان هذا أعظم عندي من الأمر الأول ، قال : قال يا سبحان الله يقول هذا لأمير المؤمنين ، قال : فقال : إن أمير المؤمنين قد صنع الله به خيرا منذ ولاه الله سدده ووفقه إلى يومي هذا ، وليس الناس فيه مقال ، فلان يقبضه الله على هذه الحال أحب إليّ من أن يحبه؟ (١) أمرا .... (٢) يصرفه عن دينه أو ما هو عليه. قال : فلا أدري أي الأمرين كان أعجب إلي منه الأمر الأول أو الثاني.
قال : فقال عمر : سبحان الله ، ينطلق إلى غلام حديث السن متشرب قلبه حب الدنيا من مطبخ وفراشين ومال ، بئس ما قلت يا أبا سليمان ، قال : فقد أجابني جواب يا أمير المؤمنين وحرج من قوله وهذا الآخر قد خرج أيضا.
كتب إليّ أبو بكر يحيى بن إبراهيم بن عثمان الإسكندراني منها ، حدثنا أبو بكر الخطيب بدمشق ، أنا أبو الحسين بن بشران ، أن أبو علي بن صفوان ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، ثنا علي بن محمد ، ثنا عبد الله بن صالح ، حدثني يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه قال :
أمر عمر بن عبد العزيز غلامه بأمر ، فغضب عمر ، فقال له ابنه عبد الملك : وهو معه : يا أبتاه ، ما هذا الغضب والاختلاط؟ فقال له عمر : إنك لمحتكم ، يا عبد الملك؟ فقال له عبد الملك : لا والله ، ما هو التحكم ، ولكنه الحكم.
قال : وقال عمر بن عبد العزيز : لو لا أن أكون زيّن لي من أمر عبد الملك ما يزين في عين الوالد من الولد لرأيت أنه أهل الخلافة.
أنبأنا أبو علي الحداد وأبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي ، قالا : أنا أبو الفتح منصور بن الحسين ، أنا أبو بكر بن المقرئ نا أبو عروبة الحراني ، [نا](٣) سليمان بن
__________________
(١) كذا رسمها في م.
(٢) بدون إعجام في م ورسمها : «ومسه».
(٣) سقطت من م ، زيادة للإيضاح ، انظر ترجمة أبي عروبة الحراني الحسين بن محمد بن أبي معشر في سير أعلام النبلاء ١٤ / ٥١٠.