ودفع الكتاب إلى ذراع النميري أبي هارون بن ذراع ، فوضعوهما على يده ، وقالوا لابن زياد : انطلق حتى ترد (١) إلى دار الإمارة ، فقال لهم ابن زياد : انطلقوا ، فمسعود عليكم ، فإن ظفرتم رأيتم حينئذ رأيكم ، فسار مسعود وأصحابه يريدون الدار ، ودخل أصحاب مسعود المسجد ، وقتلوا قصّارا كان في ناحية المسجد ، ونهبوا دار امرأة يقال لها عرة ، وبلغ الأحنف ، فبعث حتى علم ذلك ، ثم بعث إلى بني تميم فجاءوا ، ودخلت الأساورة المسجد ، فرموا بالنشاب ، فيقال فقئوا أربعين عينا ، وجاء رجل من بني تميم إلى مسعود وهو واقف في رحبة بني سليم فقتله ، وهرب مالك بن مسمع ، فلجأ إلى بني عدي ، وانهزم الناس.
قال : ونا خليفة ، قال : فحدّثني الوليد بن هشام (٢) ، حدّثني عمّي ، حدّثني أبي ، حدّثني عمر (٣) بن هبيرة والي العراق ، حدّثني يساف (٤) بن شريح بن أساف العدوي من بني يشكر ، قال :
لما خرج ابن زياد من البصرة شيعته فقال : قد مللت الخف فابغوني ذا حافر ، فركب حمارا وتفرد فدنوت منه ، فقلت : أنائم؟ فقال : لا ، بل مفكر ، قلت : إن شئت أنبأتك فيم كنت مفكرا ، قال : هات فأنبئني ، قلت : كنت تقول : ليتني لم أقتل الحسين ، وليت أني لم أبن البيضاء ، وليت أني لم أكن أوّل الدهاقين ، وليت أني كنت أسمح مما كنت ، قال : ما أصبت واحدة منهن ، أما الحسين فإنه أتاني يخيّرني بين أن يقتلني أو أقتله ، فاخترت قتله ، وأما البيضاء فإنّ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية اشتراها من ماله ، وبناها من ماله ، وأما استعمال الدهاقين فإنّي كنت أولّي الرجل منكم من العرب فيكسر الخراج ، فأكره الإقدام عليه لمكان عشيرته ، فولّيت الدهاقين ، فكانوا أوفر للخراج ، وأما قولك أسمح ، فإنّما كنت خازنا أعطي إذا أمرت وأمنع إذا نهيت ، ولكني أخبرك فيما كنت مفكرا ، قلت : ليت إنّي كنت قاتلت بمن أطاعني من أهل البصرة من خالفني ، حتى تكون الدار لي أولهم ، وليت أنّي ضرمت السجن نارا على من فيه من الخوارج فأريح الناس منهم ، فأما إذا فاتتني هاتان الخلتان ، فليت أنّي آتي الشام ولم يبايعوا أحدا.
فقدم الشام ولم يجتمعوا على خليفة ، فكان منه ما تقدم ذكره في ترجمة الضّحاك بن قيس.
__________________
(١) الأصل وم ، وفي تاريخ خليفة : نردك.
(٢) من طريقه رواه الطبري في تاريخه ٥ / ٥٢٢ وابن الأثير بتحقيقنا حوادث سنة ٦٤.
(٣) في الطبري : عمرو بن هبيرة.
(٤) في ابن الأثير : مسافر.