وما ذاك (١)؟ قال : دعاني أمير المؤمنين فذكر له ما قال عمر ، فقال عبد الملك : فما قلت له؟ قال : قلت له : يا أمير المؤمنين تدري كم ولدك هم كذا وكذا ، قال : فما قال لك؟ قال : جعل يستدمع ويقول : أكلهم إلى الله ، أكلهم إلى الله ، قال عبد الملك : بئس وزير الدين أنت يا مزاحم ، ثم وثب ، فانطلق إلى باب عمر ، فاستأذن عليه ، فقال الآذن ، إنّ أمير المؤمنين قد وضع رأسه للقائلة ، قال : استأذن لي ، قال الآذن : أما ترحمونه؟ ليس له من الليل والنهار إلّا هذه الوقعة ، قال عبد الملك : استأذن لي لا أم لك ، قال : فسمع عمر الكلام ، فقال : من هذا؟ قال : هذا عبد الملك ، قال : ائذن له ، فدخل عليه وقد اضطجع عمر للقائلة ، فقال : ما حاجتك يا بني هذه الساعة؟ قال : حديث حدثنيه مزاحم ، قال : فأين وقع رأيك من ذلك؟ قال : وقع رأيي على إنفاذه ، قال : فرفع عمر يده ثم قال : الحمد لله الذي جعل لي من ذرّيتي من يعينني على أمر ديني ، نعم يا بني ، أصلّي الظهر ، ثم أصعد المنبر فأردّها علانية على رءوس الناس ، فقال عبد الملك : يا أمير المؤمنين ومن لك بالظهر يا أمير المؤمنين ، ومن لك (٢) إن بقيت إلى الظهر أن تسلم لك نيتك إلى الظهر؟ قال : فقال عمر : قد تفرّق الناس ورجعوا للقائلة ، فقال عبد الملك : تأمر مناديك فينادي الصلاة جامعة ، فيجتمع الناس.
قال إسماعيل : فنادى المنادي : الصلاة جامعة ، قال : فخرجت ، فأتيت المسجد ، وجاء عمر ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أمّا بعد ، فإنّ هؤلاء القوم قد كانوا أعطونا عطايا ، والله ما كان لهم أن يعطونه ، وما كان لنا أن نقبلها ، وإن ذلك قد صار إليّ ليس علي فيه دون الله محاسب ، ألا وإنّي قد رددتها ، وبدأت بنفسي وأهل بيتي ، اقرأ يا مزاحم ، قال : وقد جيء بسفط قبل ذلك ـ أو قال : جونة ـ فيها تلك الكتب ، قال : فقرأ مزاحم كتابا منها ، فلما فرغ من قراءته ناوله عمر وهو قاعد على المنبر ، وفي يده جلم (٣) ، قال : فجعل يقصه (٤) بالجلم ، واستأنف مزاحم كتابا آخر ، فجعل يقرأه ، فلما فرغ منه دفعه إلى عمر ، فقصه ، ثم استأنف كتابا آخر ، فما زال كذلك حتى نودي بصلاة الظهر.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا
__________________
(١) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن م والمعرفة والتاريخ.
(٢) في سيرة ابن الجوزي : ومن لك أن تعيش إلى الصلاة؟.
(٣) كذا بالأصل وم وسيرة عمر لابن الجوزي ، وفي المعرفة والتاريخ : جام.
(٤) في م : بعضه.