الحجاز ، وجاور حرم الله وأمنه بمكة ، وصحب بها العبّاد الصالحين ، وسمع الحديث من أهلها والواردين ، وانصرف إلى وطنه بنيسابور ، فقد أنجز الله موعوده على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم ، في حديث سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم :
«إن الله إذا أحبّ عبدا نادى جبريل : إن الله قد أحبّ فلانا فأحبّه ، فينادي جبريل بذلك في السماء ، فيجيبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض» [٧٤٣٠] ، فلزم منزله ومجلسه ، وبذل النفس والمال والجاه للمستورين من الغرباء والفقراء المنقطع بهم ، حتى صار الفقراء في مجالسه.
كما حدّثونا عن إبراهيم بن الحسين ، نا عمرو بن عون ، نا يحيى بن اليمان قال :
كان الفقراء في مجلس سفيان أمراء (١) ، قد وفقه الله لعمارة المساجد والحياض ، والقناطر ، والدروب ، وكسوة الفقراء ، والعراة من الغرباء والبلدية ، حتى بنى دارا (٢) للمرضى بعد أن خربت الدور القديمة لهم بنيسابور ، ووكّل جماعة من أصحابه المستورين بتمريضهم ، وحمل مياههم (٣) إلى الأطباء وشراء الأدوية ، ولقد أخبرني الثقة أن الله تعالى ذكره قد شفا جماعة منهم ، فكساهم وزوّدهم للرجوع إلى أوطانهم ، وقد صنّف في علوم الشريعة ، ودلائل النبوة ، وفي سير العبّاد والزّهاد كتبا نسخها جماعة من أهل الحديث وسمعوها منه ، وصارت تلك المصنفات في المسلمين تاريخا لنيسابور وعلمائها الماضين منهم والباقين.
وكثيرا أقول أنّي لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا إلى الله تعالى ذكره ، وإلى شريعة نبيّه المصطفى صلىاللهعليهوسلم وعلى آله ، وإلى الزهد في الدنيا الفانية والتزود منها للآخرة الباقية ، زاده الله ترفيعا وأسعدنا بأيامه ، ووفّقنا للشكر لله تعالى ذكره ، بمكانه ، إنه خير معين وموفق.
أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن زريق ، أنا ـ أبو بكر الخطيب ، قال (٤) :
__________________
(١) كذا بالأصل : «مجلس سفيان أمراء» وفي م : «مجلس سبعين أمراء» وفي سير أعلام النبلاء : «في مجلسه كالأمراء» وهو الأشبه.
(٢) الأصل وم : «دار» والصواب عن الأنساب وسير أعلام النبلاء.
(٣) رسمها مضطرب وبدون إعجام بالأصل وم ، والصواب عن الأنساب.
(٤) تاريخ بغداد ١٠ / ٤٣٢.