فتلطف حتى دخل عليه متنكرا فأظهر الممالأة له وتقرب إليه بذم عبد الملك وشتمه وتوهين أمره حتى أمنه واغتر به ثم أنه انكفى عليه بقوم من موالي عبد الملك وجنده كان أعدهم لمواقعته ورتبهم بمكان عرفه فقتله ومن كان معه من الروم ونادى فى سائر من ضوى إليه بالأمان فتفرق الجراجمة بقرى حمص ودمشق ورجع أكثرهم إلى مدينتهم باللكام وأتى الأنباط قراهم فرجع العبيد إلى مواليهم ، وكان ميمون الجرجمانى عبدا روميا لبنى أم الحكم أخت معاوية بن أبى سفيان وهم ثقفيون ، وإنما نسب إلى الجراجمة لاختلاطه بهم وخروجه بجبل لبنان معهم فبلغ عبد الملك عنه بأس وشجاعة فسأل مواليه أن يعتقوه ففعلوا وقوره على جماعة من الجند وصيره بأنطاكية فغزا مع مسلمة بن عبد الملك الطوانة وهو على ألف من أهل انطاكية فاستشهد بعد بلاء حسن وموقف مشهود فغم عبد الملك مصابه وأغزى الروم جيشا عظيما طلبا بثاره.
قالوا : ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إلى مدينتهم وأتاهم قوم من الروم من قبل الاسكندرونة وروسس ، فوجه الوليد بن عبد الملك إليهم مسلمة بن عبد الملك فأناخ عليهم فى خلق من الخلق فافتتحها على أن ينزلوا بحيث أحبوا من الشام ويجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير وعلى عيلاتهم القوت من القمح والزيت وهو مدان من قمح وقسطان من زيت ، وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم على ترك النصرانية ، وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا اسلاب من يقتلونه مبارزة وعلى أن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال
__________________
ـ عليه ، وينقض تعهداته له. وهكذا فعل عبد الملك مقتديا بمعاوية بن أبي سفيان عند ما صالح أهل العراق.