رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون ، وذلك لاشفافه عليهم من العدو واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابى الخل والزيت ، ثم أنزلهم مطلية وأخرب طرندة وولى مطلية جعونة بن الحارث أحد بنى عامر بن صعصعة.
قالوا : وخرج عشرون ألفا من الروم فى سنة ثلاث وعشرين ومائة فنزلوا على ملطية فأغلق أهلها أبوابها وظهر النساء على السور عليهن العمائم فقاتلن ، وخرج رسول لأهل ملطية مستغيثا فركب البريد وسار حتى لحق بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة فندب هشام الناس إلى ملطية ثم أتاه الخبر بأن الروم قد رحلت عنها فدعا الرسول فأخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها وغزا هشام نفسه ، ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت فكان ممره بالرقة دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك فى أيامه.
قال الواقدي : لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية وكمخ يومئذ فى أيدى المسلمين وعليها رجل من بنى سليم فبعث أهل كمخ الصريخ إلى أهل ملطية فخرج إلى الروم منهم ثمانمائة فارس فواقعهم خيل الروم فهزمتهم ومال الرومي فأناخ على ملطية فحصر من فيها والجزيرة يومئذ مفتونة وعاملها موسى بن كعب بحران فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم : يا أهل ملطية إنى لم آتيكم إلا على علم بأمركم وتشاغل سلطانكم عنكم انزلوا على الأمان واخلوا المدينة واخربها وأمضى عنكم فأبوا عليه فوضع عليها المجانيق فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل ، ثم استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم فى الآبار والمخابي ثم خرجوا وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع آخرهم مخترطى السيوف ظرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الذي يقابله حتى كأنها عقد قنطرة