وهذا ظاهر ، وذلك قول من قال : حركات الفلك هي الزّمان لأن أجزاء الزّمان إذا توهّمت كانت زمانا ، وأجزاء الحركة المستديرة إذا توهّمت لم تكن حركة مستديرة ، ولأنّ الحركة في المتحرّك وفي المكان الذي يتحرّك إليه المتحرّك ، والزّمان ليس هو في المتحرّك ولا في المكان الذي يتحرك إليه المتحرّك ، بل هو في كل مكان ثم قد يكون حركة أسرع من حركة ، ألا ترى أنّ حركة الفلك الأعلى أسرع من حركة زحل والبطء والسّرعة لا يكونان في الزّمان لأنّ الحركة السّريعة هي التي تكون في زمان يسير والبطيئة هي التي تكون في زمان كثير.
وحكى حنين بن اسحاق عن الاسكندر أنه قال في حد الزمان : إنه مدة بعدها حركة الفلك بالمتقدّم والمتأخر. قال والعدد على ضربين : عدد يعدّ غيره وهو ما في النفس ، وعدد يعدّ بغيره ، والزّمان مما يعد بغيره وهو الحركة لأنّه على حسبها وهيئتها وكثرتها وثباتها ، وإنما صار عددا من أجل الأول والآخر الموجودين في الحركة ، والعدد فيه أوّل وآخر فإذا توهّمنا الحركة توهّمنا الزّمان ، وإذا توهّمنا الزّمان توهّمنا الحركة ، وإنّما صار عدد حركة الفلك دون غيرها لأنه لا حركة أسرع منها ، وإنما يعد الشيء ويذرع ويكال بما هو أصغر منه. قال : والزّمان عدد وإن كان واحدا لأنه بالتّوهم كثير فيكون أزمنة بالقوة والوهم لا بالوجود والعمل.
وهذا يقارب ما حكاه أبو القاسم عن أبي الهذيل في حدّ الزمان ، لأن قوله : مدى ما بين الأفعال ، وإن اللّيل والنّهار هما الأوقات إذا حصل يرجع إلى معنى قوله مدة بعدها حركة الفلك بالمتقدّم والمتأخّر ، وإن كان لفظ أبي الهذيل أجزل وأغرب ، ألا ترى أنّ الاسكندر قال : والبرهان على أن الزّمان ليس بذي كون ولا ابتداء ولا انتهاء والفرقة التي زعمت أن الزّمان شيء غير اللّيل والنّهار ، وغير دوران الفلك ، وليس بجسم ولا عرض إلى آخر الفصل ، فإنّا سنتكلم به على الملاحدة والخارجين من التّوحيد إلى وراء التشبيه إن شاء الله تعالى.
اعلم أن العبارة عن الوقت قد حصلت من القديم تعالى ولا فلك يدور ولا شمس في البروج تسير ، وعبر أيضا عن أوقات القيامة فمرة قال تعالى : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [سورة المعارج ، الآية : ٤] ومرّة قال تعالى : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [سورة السجدة ، الآية : ٥] وقال تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [سورة الحديد ، الآية : ٤] وقال تعالى في صفة أهل الجنّة : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٦٢] ولا بكرة ثم ولا عشية ، فجميع ذلك أجري لأوقات مؤقتة لمعاني قدّرها الله تعالى على أحوال رتّبها ومراتب صورها فمنها ما هو أطول ، ومنها ما هو أقصر ، على حسب آماد الأمور المقدورة فيها ، فمثّل كلّا بما تقرّر به النفوس غايته وأمده ومقداره وموقعه ممّا