لا أدلج (١) اللّيل ولكن أبتكر
ويقال : ليلة وليال فكأنها جمعت على ليلات وإن لم يستعمل ومثله أهال في جمع أهل وإنما هو في تقدير أهلي ، وعلى هذا قالوا في التّصغير ليلة والقياس في جمع ليلة ليلاء ليال ليل والأصل لول لأنه فعل مثل حمراء وحمر ، لكنّهم حاموا على الياء لئلا يلتبس بنات الياء ببنات الواو ، ومثله قولهم بيض وعين في جمع بيضاء وعيناء وما أنشده الكسائي من قول الكميت :
ولدنك والبدر ابن عائشة التي |
|
أضاء ابنها مستحلكات اللّيايل |
فإنه أراد اللّيالي ، فقلب ، وقدم الياء فلما وليت الألف همزت كما قيل : صحايف ومثله فيما قلبوه ترقوة وترائق والأصل تراقي.
واعلم أنّهم يتوسّعون في ذكرهم اليوم ، واللّيلة ألا تراهم يقولون : فلان اليوم يعد من الرؤساء وكان في الدّهر الأول على كذا ، واليوم هو خلافه ، وإنما يعنون الزّمان وكما قال تعالى : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [سورة السجدة ، الآية : ٥] يعني القيامة ، وليس ما أشار إليه من صورة ما نعدّه في شيء وقال الشّاعر :
يومان يوم مقامات وأندية |
|
ويوم سير إلى الأعداء تأويب |
فقسم دهره يومين ، ويقال : الناس أغراض اللّيالي ويراد الأحداث ومثله من الذي يسلم على الليالي والأيام فأما قوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً) [سورة الأنفال ، الآية : ١٦] فاليوم يعم أجزاء اللّيل والنّهار ، والزّجر به حاصل في كل جزء من أجزاء الزّمان وعلى هذا قوله :
يا حبذا العرصات |
|
يوما في ليال مقمرات |
يريد وقتا وزمانا في ليال وكذلك قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٤٠] أي نجعل الدّول في الأزمان فتحول وتنقل بين الناس على حسب استحقاقهم أو سببا لامتحانهم. وقد سمّت العرب وقعاتها أياما فيقولون لنا : يوم كذا ويوم كذا ، وساغ ذلك لوقوعها فيها.
فصل آخر
يقال : اللّيلة لليلتك التي أنت فيها ، والبارحة لليلة يومك الذي أنت فيه ، وقد مضت
__________________
(١) أدلج : سار اللّيل كلّه أو في آخره.