أجزائه عاد نقصانا لا تضعيفا وقوله تعالى : (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) [سورة الإنسان ، الآية : ٢٦] المراد به أجزاء ليلة طويلة من اللّيل لأنه لو أريد الجنس لما صحّ فيه ذكر الطّول وللزم التّسبيح ليلة طويلة دون ليلة قصيرة ، وإذا أريد الجزء من اللّيل في كلّ ليلة فهو أمر بالتّسبيح جزءا طويلا وأجزاء طوالا.
وقال بعضهم في قوله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٥] أي بنعمه ، والكوفيون رووا اللّيل ليلك ، واليوم يومك ، ويراد به الوقت وقتك ، ويقال : الليل ليلك واليوم يومك ، فيجعلون الأولى ظرفا للثانية ، وجعلوا الثّاني جزءا منه لأنّ الظرف وعاء مستوعب ، فيجب أن يكون أوسع من ذي الظرف ليوعبه ويشتمل عليه كما يحوي الوعاء ما ضمنه ، وأما قوله تعالى : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) [سورة الدخان ، الآية : ٢٣] وقد علمنا أن السّرى لا يكون إلا ليلا ، فالمراد في جوف اللّيل ، ولو قال : فأسر بعبادي ، ولم يقل ليلا لكان مطلقا في أول اللّيل وآخره وما بينهما ، ألا ترى أنك تقول : جاءني فلان البارحة بليل ، فيكون المعنى في استحكام اللّيل ، وقد يجيء ما لا يحتاج فيه إلى تأكيد ، تقول : أدلجت فيكون المعنى سرت في أول الليل ، ولو قال : أدلجت في أوّل اللّيل لساغ فيكون تأكيدا كتكرير الاسم أو الفعل قال زهير شعرا :
بكرن بكورا واستحرن بسحرة |
|
فهن لوادي الرّسّ كاليد للفم |
فقوله بسحرة بكور على وجهين : أحدهما أن يكون الإدلاج لآخر اللّيل وبكرن للسّحر وغيره ، فإذا قال بسحرة فقد بين أيّ الوقت من آخر الليل ، ويكون توكيدا محضا قال تعالى : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) [سورة هود ، الآية : ٨١] على هذا والعرب يقول : أتيتك بقطع من اللّيل ، وبعد وهن من اللّيل إذا دخلت في استحكامه ، فأمّا قول ضمرة شعرا :
بكرت تلومك بعد وهن في النّدى |
|
سهل عليك ملامتي وعتابي |
فقال : بكرت ثم قال بعد وهن ، والوهن لا يكون إلا ليلا فالمعنى أول ذلك الوقت وقولهم: بكر عليه إذا لم يسمّ الوقت فإنّما يعني جاء في أوله ليلا كان أو نهارا ، وبها سميّت الباكورة من الثمر وإن لم تذكر وقتا ، وقلت أتانا بكرة فإنّما تأويل ذلك أوّل النّهار لا غير ، هذا المستعمل بلا شرط ، وما تقدم فإن تذكر ما يدل عليه وكذلك اليوم إذا كان مطلقا إنما تعني به النّهار دون اللّيل والألف واللام يدل على يومك ، إلا أن تصله بغيره فتقول : رأيته اليوم الذي مضى.
فصل آخر
قوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٦٢] يريد على ما