أم الفوارس بالدّيداء والرّبعة
فصل
اعلم أنّ سرار الشّهر آخره ، وفيه لغات : يقال سرار الشّهر ، وسراره وسرّه وسرره.
ويزيد النّوء عندهم غرارة وحمدا إذا كان في سرار الشّهر. لذلك قال الرّاعي :
تلقى نوؤهنّ سرار شهر |
|
وخير النّوء ما بقي السّرار |
وقال الكميت :
هاجت له من جنوح اللّيل رائحة |
|
لا الضّب ممتنع منها ولا الورل |
في ليلة مطلع الجوزاء أوّلها |
|
دهماء لا قرح فيها ولا رجل |
(قوله) : لا الضّب البيت يعني السّيل يدخل عليهما فيستخرجهما لبلوغه النّجوات ، وذلك أنّ الضّب والورل يرفعان مكانهما عن مجرى السّيول. (وقوله) : لا قرح يريد أنّها من السّرار فلا ضوء في أوّلها ولا في آخرها. وقال الحطيئة شعرا :
بانت له بكثيب حرية ليلة |
|
وطغا بين جماديين درورا |
وهي اللّيلة التي لا يدرى من أيّ الشّهرين يكون مشكوكا فيها ، وقد يحمد أن يكون في أوّل الشهر أيضا. قال الكميت :
والغيث بالمتألّقات |
|
من الأهلّة في النّواحر |
النّواحر : جمع ناحرة وهي اللّيلة التي تنحر الشّهر ، ويقال لها أيضا : النّحيرة. قال أبو حنيفة : واختلف فيها فزعم بعض أهل العلم أنّها أول ليلة من الشّهر يذهب إلى أنّها في نحره ، وزعم غيره : أنها آخر ليلة من الشّهر لأنّها تنحر الشّهر الدّاخل ، قال : ولا أظنّه قال هذا إلّا لأنّ يجعل الاختيار في السّرار ، لأنّه أشهر لكنه قد جاء بالمتألّقات من الأهلة ، وجاء أيضا وافق غر شهر نحيرا ، ولا يقال غرّة إلّا وهي ليلة الهلال ، وقد قال الفرزدق : في ناحرات سرار بعد إهلال. فجعلها من السّرار وجعلها ناحرة وجعلها بعد الإهلال. قال : فإن كانت هذه الرّواية صحيحة فلا أعلم لها وجها ، إلّا أنّ اللّيلة دخلت وهي من السّرار ، لأنّ ما بين استسرار القمر إلى أن يرى الهلال سرار ، كلّه ، فدخلت وهي من السّرار ، ثم رؤي فيه الهلال فصارت نحيرة ، وصار ما فيها من غيث بعد الإهلال ، هذا أقرب ما أعرف منها. وإن كانت الرّواية كما يزعم آخرون أنّها قبل الإهلال ، فهذا ما لا كلام فيه. ويكون حينئذ مثل قول الرّاعي شعرا :