مواقيت وآجالا ، ومواعيد ، وآمادا ، فعرفوا حلالها وحرامها ومسالمها ومعاديها وذا العاهة منها مما لا عاهة معها ؛ وتبيّنوا بطول التّجارب أضرّها أنواء ، وأعودها أمطارا ، وأعزّها فقدانا ، وأهونها أخلاقا ، فأخذوا لكلّ أمر أهبته ، ولكلّ وقت عدّته ، إلى كثير من المنافع والمضار التي تتعلق باختلاف الأهواء وتفاوت الفصول والأوقات ؛ ومن تدبّر قوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) [سورة الإسراء ، الآية : ١٢]. ثم فكّر في تميز أحدهما عن الآخر باختلاف حالهما في النّور ، والظّلمة ، والظّهور والغيبة ، ولما ذا صارا يتناوبان في أخذ كلّ واحد منهما من صاحبه ، ويتعاقبان في إصلاح ما به مصالح عباده وبلاده؟ وكيف يكون نموّ القمر من استهلاله إلى استكماله ونقصه ، وانمحاقه من ليالي شهره وأيامه؟ وأنّى يكون اجتماع الشّمس وللقمر ، وافتراقهما ، وتساويهما ، وتباينهما ، ظهر من حكمة الله تعالى له إذا تدبّره ، وردّ آخره على أوّله ، وولي كلّ فصل منه ما هو أولى به.
ثم سلك مدارجها ، وتتبع بالنّظر معالمها ومناهجها أدّاه الحال إلى أن يصير من الرّاسخين في العلم به تعالى وبمواقع نعمه ، وآثار ربوبيته ، ألا ترى أنّه لو جعل اللّيل سرمدا ، أو جعل النّهار أبدا لانقطع نظام التّعايش ، وانسدت أبواب النّمو والتزايد ، وتأدّى انقلاب التّدبر إلى ما شرحه بتعذر فسبحانه من حكيم رءوف بعباده رحيم.
وقد سئل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن نقصان القمر وزيادته ، فأنزل الله تعالى أنّ ذلك لمواقيت حجكم ، وعمرتكم ، وحل ديونكم وانقضاء عدة نسائكم ، وقوله تعالى : (آيَةَ اللَّيْلِ) ، و (آيَةَ النَّهارِ) إضافتهما على وجه التّبيين والشّيء ، قد يضاف إلى الشيء لأدنى علاقة بينهما ، قال تعالى : (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٥]. ولما كان هو المؤجل ، وقال في موضع آخر : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) [سورة الأعراف ، الآية : ٣٤] لما كان الأجل لهم ، فكذلك قوله : (آيَةَ اللَّيْلِ) ، و (آيَةَ النَّهارِ) ، يعني الآية التي يختصّ بهما هذا في إضافة الغير إلى الغير.
فأما إضافة البعض إلى الكل فقولك : خاتم حديد ، وثوب خز ، فلا يمنع دخوله فيما نحن فيه ، ويكون المعنى أنّ الآية الممحوة كانت بعض اللّيل ، كما أنّ الخاتم ، يكون بعض الحديد ، كأنّ اللّيل ازداد بالمحو آيتها سوادا ، ويقال ؛ دمنة ممحوة إذا درست آثارها وآياتها ، ويقال : محوت الشيء ، أمحوه ، وأمحاه وفي لغة علي محيته ، وحكى بعضهم : محا الشيء ومحاه غيره ، وكتاب ماح ، وممحو ومحوة ، اسم لريح الشّمال لأنها تمحو السّحاب ، والمحوة المطرة التي تمحو الجدب ومن كلامهم تركت الأرض محوة إذا جيدت كلها.
وقال بعضهم : يجوز أن يكون عنى بآية النّهار الشّمس ، وبآية اللّيل القمر ، وعنى بالمحو ما في ضوء القمر من النّقصان ، وحكي عن السّلف أنّ المراد بالمحو الطّخاء الذي