ترى الواحد الأنس الأنيس ويهتدي |
|
بحيث اهتدت أمّ النجوم الشّوابك |
وقال أبو حنيفة : المجرّة دائرة متّصلة اتصال الطّوق وهي وإن كانت مواضع منها أرقّ ، ومواضع أكثف ، ومواضع أدق ، ومواضع أعرض فهي راجعة في خاصتها إلى الاستدارة وأكشف قناعها وأوسعها هو ما بين شولة العقرب فإلى النّسرين ، فإلى الرّدف ، والشّولة ، والرّدف كلاهما في نطاقها الأوسط أو قريب.
فإذا كانت الشّولة مشرفة على الثّور رأيت حينئذ من فوق الثّريا مستقدا في المشرق ، ورأيت المجرّة قد أخذت من عند شولة العقرب فمضت حتّى سلكت بين النّسرين. ثم مضت حتى غشيت كواكب الكفّ الخضيب رقّت واستدقّت إلى أن تبلغ العيّوق فتكشف هناك. فإذا بلغت العيّوق سلكت بين الكوكبين الجنوبيين من كواكب الأعلام الثّلاثة المعروفة بتوابع العيّوق. ثم مضى قدما حتّى تسلك بين الهقعة والهنعة وحاك بحاشيتها الشّرقية كوكبي الهنعة. ثم مضت حتى تسلك بين الشّعريين ، ثم تمضي وتغشى الغدرة بحاشيتها الغربية فتكشف هناك ، ثم تمضي عند العذرة حتى تسلك أسفل من كواكب الحمل ، ثم تمضي من هناك حتّى تشتمل على الشّولة ، ومنها كنّا بدأنا بالوصف ، فتجدها دائرة متّصلة.
ألا ترى أنا بدأنا بوصفها من عند الشّولة ثم لم تزل تستقر بها حتى عدنا إلى الشّولة فهذا الإيضاح عن استدارتها واتّصال بعضها ببعض اتّصال الطّوق ، وفي تحوّلها من جهة إلى جهة. يقول ذو الرّمة وهو يذكر رفقاءه :
بشعب يشجون الغلاء في روسه |
|
إذا حوّلت أمّ النّجوم الشوابك |
إمّا أن يريد زمانا من الأزمنة لأنّ المجرّة تتغيّر مواضعها في الأزمنة فتراها في الشّتاء أوّل اللّيل في خلاف موضعها من السّماء ، وفي الصّيف أوّل اللّيل وكذلك من آخر اللّيل في الشّتاء والصّيف ولذلك قيل : سطى هجر نرطب هجره وذلك أنّ أوّل ظهور المجرة عشاء من المشرق ، هو في ابتداء القيظ وأيّام طلوع الثّريا فيبدو منها عشاء قوس في المشرق أخذه من شرقي الشّمال إلى شرقي الجنوب مضجعه في الأفق ، ثم يزداد كلّ عشاء ارتفاعا وتوسطا إلى أن يسترقّ القيظ ويطلع السّهيل عشاء قد كبدت السماء ، فتوسّطتها فصار أحد طرفيها في قبلة العراق ، وطرفها الآخر في فقاء المصلّى ، ووسطها على قمة الرّأس ، وذلك زمان يكثر فيه الرّطب. والمجرّة بهذه الصّفة سواء آخر اللّيل أيام طلوع الثّريا فإمّا أن يكون ذو الرّمة أراد هذا المعنى ، أو يكون أراد وقتا من اللّيل ، لأنّ المجرة تراها في آخر اللّيل في غير موضعها من أوّله وذلك في جميع ليالي الدّهر على ذا وليس ما ترى من هذا المفاز منها الذي وضعت له من الفلك ، ولكنّها وضعت فيه على انحراف ، فأنت ترى ذلك منها لدور الفلك بها.