قال أبو زياد : النّاس يستبشرون برؤية القواري.
ومن أسماء القوس : الدّاح ومن أمثالهم : لا يعرف الماح من الدّاح. فالماح : صفرة البيض. والدّاح : الذي يسمى قوس قزح. وهذه الدّائرة أكثر ما ترى باللّيل ، وقد ترى بالنّهار أحيانا ، وأكثر ذلك نصف النّهار وبالعشي. فإمّا عند طلوع الشّمس وعند غروبها ، فقلّما ترى. وعلّة هذه الدّارات كلّها واحدة وذلك أنّ البخار الرّطب إذا كثر في الجو وأشرقت الشّمس أو القمر والكواكب المنيرة فيها سطع نورها في الهواء. ثم عطف ذلك النّور راجعا من الهواء على البخار الرّطب فترى تلك الدّارة كذلك.
وقالوا في قوس قزح : إنّها لا ترى دائمة ، وأكثر ما ترى بالغداة والعشي فأما نصف النّهار فلا ترى ، وأكثر ما ترى في الخريف. فأمّا في الصّيف فلا ترى وربما رؤيت قوسين ، فأما علّة كونها فهي من شعاع الشّمس الرّاجع إلى البخار الرّطب كمثل ما يشرق في الماء.
ثم يرجع إلى الحائط وربّما يرى قوس قزح باللّيل من ضوء القمر ، وقلّما يرى ذلك ، وإنما يرى إذا رأيت في مثله ليلة البدر إذا كمل ضوء القمر.
فأمّا كدورة قوس قزح وصفاؤها فعلى ما تغلب عليها الرّطوبة كان اللّون إلى الصّفا ، والبياض ، لأنّ صفاء الهواء وكدورته من قبل هاتين العلّتين الرّطوبة واليبس ، وقياس ذلك النّار فإنّها إذا كانت في حطب رطب كان لون النّار أحمر كدرا ، وإذا كانت في حطب يابس كان لون النّار أصفر صافيا ، فكذلك لون قوس قزح أيضا.
أمّا الحمرة التي ترى أحيانا في أيّام الصّحو في الهواء : فمن قولهم فيها : إنّ الهواء إذا تكاثفت أجزاؤه وغلظ ثم سطع ضوء الشّمس أو الكواكب في موضع من الأرض ، رجع ذلك الضّوء إلى الهواء كالضّوء الذي يرجع من الماء إلى الحائط ، فكذلك الهواء إذا رجع إليه الضّوء من الأرض ، أو من المياه قبله على قدر مشاكلته ، لقبوله فيرى لون الهواء أحمر أحيانا ، وعلى الهواء القابل لذلك.
والقول في الآية بدأ الله تبارك وتعالى يذكّر بنعمه على خلقه ، حالا بعد حال ووقتا بعد وقت ، وبكمال تدبيره ، مجملا ومفصّلا ، ومقدّما ومؤخّرا وكيف سبّب الأسباب ورتّب الأقدار فيما هيّأ من درور رزق ودرج من نزول غيث فقال : انظروا كيف جمع فرق السّحاب بعد إنشائها ، وكيف ألّف سياقها على تباينها ، وفي أيّ حال كشفها عقب رقّتها وتخلخلها ، حتى صار مع تراكمها يؤدي ما أودع وينخرق بما ضمّن ، فيخرج من خلاله الماء ، مرافقا للنّار ، جامدا وذائبا ، ومتخلخلا ومتماسكا.