النّافع. وإذا كان إلى المرفق فهو المطر الجود وهو يجزي الأرض شهرا من المطر. فإذا بلغ الثرى نصف العضدين قيل : حيا. فإذا بلغ المنكب فهو حيا عند جميع النّاس لما بعده. فإذا حفر الحافر الثّرى فذهبت يده حتى يمس الأرض باذنه وهو يحتفر. والثّرى جعد. فقد اعتقدت الأرض حيا سنتها. ويقال : غيث جدا ، لا يحفره أحد ولا سكفه ، أي لا يعلم أحد أين أقصاه.
وقال الأصمعي : إذا التقى الثّريان فهو الجود يعني أن يتّصل النّدى الظّاهر بالنّدى الباطن المستكنّ في جوف الأرض. وحكى الأصمعيّ عن رؤبة : شهر ثرى وعشر ثرى ـ وشهر مرعى ـ وشهر استوى. وقال ابن الأعرابي : قيل لابنة الخنسي : كم يعقد المطر في الأرض ولا يخرج؟ فقالت : عشر ثرى وعشر ثرى وعشر مرعى (١). أرادت أنّ الماشية تشبع في ثلاثين. فهذان القولان متّفقان ، ومعنى استوى : اكتهل في الشّهر الرّابع ثم يشبع المعزى.
واعلم أنّ البلاد تختلف في ذلك : فإنّ منها الأنبت الممراح فلا يبطئ نباته ، ومنه المصلاد النكد الجحد الإنبات. ويختلف أيضا من قبل الزّمان ، فإنّ الأرض إذا جيدت والزّمان لين كزمان الصّفوى والدفيء والخريف لم تلبث الأرض أن تعشب. وإذا جيدت والزّمان قسيء بارد منعها البرد من الإعشاب فأبطأت به.
وقال ابن الأعرابي : قال أبو المجيب أعرابي من بني ربيعة : لقد رأيتنا في أرض عجفاء ، وزمان أعجف ، وشجر أعشم في قف غليظ ، وجادة مدرعة غبراء فبينا نحن كذلك ، إذ أنشأ الله من السّماء غيثا مستكفا نشوؤه ، مسبلة عزاليه ـ عظاما قطره ـ جوادا صوبه ـ زاكيا ودقه ـ أنزله الله رزقا لنا فتنعش به أموالنا ـ ووصل به طرقا فأصابنا. وأما السّوطة بعيدة بين الأرجاء فاهرمع مطرها حتّى رأيتنا وما نرى غير السّماء والماء ، وصهوات الطّلح فضرب السّيل النّجاف.
وأمّا الأودية فرعها فما لبثنا إلا عشرا حتّى رأيناها روضة تندى ، فهذا اجزأنها روضت في عشر وهو دون ما قدّمناه من قبل. والعلّة فيه الزّمان ، وإذا اتّفق الزّمان اللّين والأرض الممراح كان هذا ونحوه. وإذا وقع الغيث : فنجع ورؤي تباشير خيره قيل : رأينا أرض بني فلان غب المطر واعدة حسنة. حكاه الأصمعي ، فإذا أبصرت شيئا من النّبات فذاك الإيشام والطّرور والبقول والإيفال.
أوشمت الأرض توشم إيشاما ، وطر النّبت طرورا كما يطرّ الشّارب ، فإذا تطررت
__________________
(١) كذا في الأصل والله أعلم.