الغرد ، وأصله الغراد والخص ، وفي الكلام تقديم وتأخير كأنّه قال : وقد غرد عيّوق الثّريا فغاب. وكذلك قول أبي ذؤيب شعرا :
فوردن والعيّوق مقعد رأى |
|
الضّربا خلف النّجم لا تتبلّع |
(لأنّ العيّوق والنّجم) يكونان كما وصف ، إذا توسّطا السماء وتوسطهما السّماء آخر اللّيل إنّما يكون في حمارّة القيظ. وقوله : (مقعد رأى الضّربا) في حمارة القيظ. وقوله : (مقعد رأى الضّربا) في إعرابه كلام وقد بيّنته فيما شرحته من شعر هذيل ومثله قول الآخر. كمقاعد الرّقباء للضّرباء أيديهم نواهد. قوله : لا تتبلع : أي لا تتعدم ، وذلك أنّ النّجوم إذا توسّطت السماء خيّل إليك أنها تتحير ، فلا تبرح لذلك قال : والشّمس حيرى لها في الجوّ تدويم ، وليس قول امرئ القيس :
فيا لك من ليل كأنّ نجومه |
|
بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل |
من هذا إنما يريد أن يصف اللّيل بالطّول فكأنّ كواكبه لا تسير ، والأوّل يريد ركود النّجوم إذا توسّطت السّماء خاصة ، وقد أحسن لبيد في قوله وهو يصف الكواكب :
عشت دهرا وما يدوم على |
|
الأيام إلا برمرم وتعار |
والنّجوم التي تتابع باللّيل |
|
وفيها ذات اليمين ازورار |
دائبا مورها ويصرفها الغور |
|
كما يصرف الهجان الدوار |
وإنّما (ازورارها ذات اليمين) عطفا إلى القطب لأنّها جميعا تدور على القطب الشّمالي مرتفع فإذا توسّط كوكب ثم انصبّ فقدرت له في نفسك مغربا على أم قاصد عدل عن السّمت الذي توهّمته. (وتزاور ذات اليمين) حتى يغيب فوق الذي قدّرته حتّى ربّما كان البعد في ذلك بعيدا وعلى هذا حال جميع الكواكب في مدارها ، ولازورارها إلى القطب. قال الشّاعر يمدح رجلا:
مالت إليه طلاها واستطيف به |
|
كما يطيف نجوم اللّيل بالقطب |
ولعلّة ذلك قال بشر :
وعاندت الثّريا بعد هدء |
|
معاندة لها العيّوق جار |
لمّا تدانيا في رأي العين حين توسّطا السّماء وقد كان أحدهما بعيدا من صاحبه في المطلع جعل ذلك تركا من الثّريا لطريقها ، وعدولا إلى العيّوق وليس ذلك بمعاندة ، ولكن لما بيّنته من ازورار النّجوم كلّها في مدارها إلى القطب ، إذ كانت عليه تدور ، لأنّ الكواكب إذا كانت في آفاق السّماء كانت أعظم في المنظر ، وكان البعد الذي بينها أوسع في الرأي ،