هي أعظم النّجوم خطرا وقدرا. وهل الدّليل في وضح النّهار إلا هي مع ما استعان به الإنسان من هبوب ريح ، وكلّ ذلك في الدّلالة دونها فإذا تقدّم المرء فأحكم علم ما وصفت ، ثم كان ثبتا في النّظر ، فطنا في العبر ، أدرك علم الهداية.
وذكر جبار بن مالك عامر بن الطّفيل فقال : كان لا يضلّ حتى يضلّ النّجم ولا يعطش حتى يعطش البعير ، ولا يهاب حتى يهاب السّيل ، كان والله خير ما كان يكون ، حتى لا تظنّ نفس بنفس خيرا. والعرب تقول للدّليل إذا كان هاديا إنّه لدليل ختع وخوتع ، وإنّه لبرت وإنّه لخريت ، وإنّه لدليل مخشف.
وذكر اللّغويون : أنّه إنّما سمّي خرّيتا لأنه كان يهتدي بمثل خرت الإبرة وقال الشاعر في البرت :
ومهمه طعنت في مغبرة |
|
تله عين البرت من ذي شره |
(تله) : من الوله وهو ذباب العقل ، وقال رؤبة يصف أرضا مجهلا. ينبو بإصغاء الدّليل البرت. يعني إذا توجّس ، وقال ذو الرّمة في الختع فجاء به على فوعل ووصف فلاة :
يهماء لا يحنا بها المغرّر |
|
بها يضلّ الخوتع المشهّر |
يريد (بالمشهّر) المعروف المشار إليه بالهداية وقال الخطفي :
حتّى إذا ما طرد النّيف السّفا |
|
قرين بزلا ودليلا مخشفا |
قال أبو عبيدة : وللعرب في حسن الاهتداء في المعامي المضال ، والمجاهل الاغفال أحاديث عجيبة في جاهليتها وإسلامها ، كان الرّجل منهم يعدو على الإبل ببلاد لخم وجذام وهي واغلة في الشّام أو بسماوة كلب فيقطعها ثم يطردها متنكرا بها أوطان الانس متتبعا بها بلاد الوحش ، حتّى يلقى بها الأسواق إما بصعدة من اليمن ، أو بحجر من اليمامة ، فيتبعهنّ ويفعل مثل ذلك باليمن. ثم يرد سوق بصرى أو اذرعات ونحوهما من أسواق الشّام ، وكان الواحد من الرّابيل وهم الذين يغزون فرادى ، وذو السّرية وهو الذي يغزو في شيعته فيمضي في تلك المعامي وفي مناقع المياه فيأخذ بيض النّعام فينقعها ويملؤها ماء ويدفنها ، فإذا بلغ غاية مراده وجاء الوقت الذي ينتظره ، ولعلّ ذلك يكون في مدة شهر في مسيره ، حتى إذا نضبت المياه ، وانقطع الغزو وأمن النّاس اعتمد مغزاه فلا يخطئ السّمت ولا يضلّ عن تلك الدّفائن ، فيمضي معتسفا على غير هدى ، مستثيرا ذلك البيض ، ومعتمدا عليه في شراء به. ثم يرجع عوده على بدئه لا يستدلّ إلّا بالشّمس أو الكوكب.
قال : وممّن فعل ذلك وعلة الجرمي في الجاهلية ، وله قصة ، وكان السّليك بن السلكة السّعدي ، ثم أحد بني مقاعس ممن يفعل ذلك ، وكان أوّل النّاس بالأرض ومن هداتهم