والثّالثة : طبقة مقيمة في مياهها ومحاضرها ومرابعها ومزالفها ، راضية من العيش بما يحفظ عليهم التّجمل وينفي عنهم التقشّف والتّبدل ، فيتّجرون فيما يعتنون جلبا ، وينقلون ما به يقضون أربا.
والرّابعة : العسفاء والأجراء ويروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الخيل العراب تراث أبيكم إسماعيل فاقتنوها واركبوها ، وكان أول من ركبها إسماعيل وبنوه ، وكانوا اثني عشر رجلا يسمّون الفوارس». قال أسد بن مدركة منتميا في شعره إلى إسماعيل عليهالسلام.
أبونا الذي لم يركب الخيل قبله |
|
ولم يدر شيخ قبله كيف يركب |
وعوّدنا فيما مضى من ركوبها |
|
فصرنا عليها بعده نتلقّب |
لعمرك ما عمّاي شمر ويبهس |
|
ولكنّما عمّاي بكر وتغلب |
فإن يك أقوام أضاعوا آباءهم |
|
سفاها فما ضلّت ربيعة أكلب |
وروي عن يحيى بن أبي كثير قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ هذه الخيل كانت وحشا في الفلوات ، لها أجنحة في مواضع أكتافها» قال : وكان في دور العجم مثل خلق الخيل صورا لها كالأجنحة في مواضع أكتافها تسمّى بالفارسية درواسف وتفسيرها بالعربية ذو الأجنحة من الخيل ، فلم أعرف معناه حتى سمعت هذا الحديث ، قال ثم ذللت لاسماعيل وكانت معه في جرهم فلمّا توفّاه الله عادت وحوشا إلى مواضعها ، حتى جاء زمن داود فذلّلت له ثم ورثها سليمان ، وكان يعجب بها وهي التي ذكرها الله تعالى في قوله : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) [سورة ص ، الآية : ٣١] وكان أصحاب النّخل أكثر دعة وأرفع عيشا ، وأندى جنابا وأحضر نفرا من أرباب الإبل ، إذ كانت الإبل أشدّ امتهانا لأهلها وابتذالا لمتخذيها مع ما يلحقها عند سقوط الغيث ، ونبات البقل ، ودرور الألبان من الفارة والنّدود والشّرود مع الكلف اللّاحقة من لوازم الرّعاء والتّحفظ من الحزابة والسّلة ومع ما ينالها في شهب السّنين من السّواف وسائر العاهات ، وفي استقبال بارد الرّياح من الأدواء المهلكة ، وتلحقها من عدوة السّباع الضّارية ، حتى أنّ ربّها يمسي غنيا مكثرا ويصبح فقيرا مدقعا.
والخيل ثلاثة أصناف : فمنها ملوك الخيل التي لا تجارى ، وهي تسبق بعنقها وكرمها وحسبها مع حسنها وتمام خلقها واستوائها وهي الرّوابع. والصّنف الثّاني المضامير : وهي سباع الخيل المتعالية اللّحوم ، وخلقتها غير خلقة الأولى لكنها أخفّ وأرقّ منها. والصّنف الثّالث : ضباع الخيل قوّية شديدة تحمل الزّاد والمزاد في السّهل والجبل ، وهي الغلاظ الشّداد ، مع جودة الأنفس ، لأنّ الغليظ أحوج إلى شدّة النّفس من غيره.