وقيل فيه أيضا : إنّ المس هو التّناول باليد ، ويكون على هذا اللّفظ لفظ الخبر ، والمعنى معنى النّهي كأنه نهى الحائض والجنب ، ومن جرى مجراهما من تناول المصاحف تنزيها لها ، وتعظيما لشأنها ، والوجهان قريبان ، فأما الآية فهي إخبار عن الجن المسترقة للسّمع وأنهم كانوا قبل الإسلام يقعدون من السّماء مقاعد تقرب الاستماع إلى الملائكة وتسهله في السّماء الدّنيا ، فكانوا يلتقطون من تجاورهم وتذاكرهم بما يوحى إليهم امتحانا لهم ما يلقونه على ألسن الكهنة حتى يتصوروا للنّاس بصورة من يعلم الغيب ، فيؤمنوا بهم وذلك من الإضلال ، وفساد الأدلة ما لا خفاء فيه ، فقالوا : قد كان هذا فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم منعنا من ذلك بما أرصد لنا من ثواقب النّجوم.
وقد اعتقد قوم أنّ انقضاض الكواكب ظهر في الإسلام لأنها جعلت رجوما للشياطين فيه ، وقد جاء في الشعر القديم تشبيه المسرع من الخيل وغيرها بمنقضّ الكواكب ، فالأقرب في هذا أنه كثر في الإسلام ، ومن قبل كان يتفق نادرا ، أو يكون جعلها رجوما إسلاميا وفيما تقدم من الزّمان لم يكن لذلك من الشأن فإنه تعالى قال : (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [سورة الملك ، الآية : ٥] وقوله تعالى لا يبدل ولا يدخل التسمح بل هو الوحي المحقق والخبر المصدق.
فإن قيل : من أين لك أنّ الملائكة كان يرد عليهم الوحي فيتدارسونه بينهم ويجاذبونه حتى توصّلت الشّياطين منه إلى الاستماع. قلت : يدل على مثل ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [سورة البقرة ، الآية : ٣٠] الآية ، فتبيّن أنّه قدّم إلى الملائكة خبر ما أراده من آدم عليهالسلام وما كان من ذريته في الأرض امتحانا لهم. قوله تعالى : (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً) [سورة الجن ، الآية : ٨] يعني الملائكة فدعاهم حرسا لما كان منهم من منع الشّياطين من السّمع. والحرس جمع حارس ، ومثله غائب ، وغيب. والشهب جمع شهاب ، وهو النّار ولو لا فعل الله تعالى ذلك لكان الوحي إلى النّبي يتخلّله الفساد ، بما يكون من الجن فله الحمد والشكر على نعمه في كل حال وسيجيء من الكلام من بعد فيه ما تزداد به هذه الجملة انشراحا إن شاء الله تعالى.
ومنه قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ) [سورة التوبة ، الآية : ٣٦] الآية ، نبّه الله تعالى على عدد الشّهور العربية ، وهي التي تسمّى شهور القمر. وميزان السنة اثنا عشر شهرا لأنّ القمر يجتمع مع الشّمس في مدة هذه الأيام اثنتي عشرة مرة ، ألا ترى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً ، وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [سورة يونس ، الآية : ٥] وكذلك فعلت الفرس بقسمة أيام السنة باثني عشر قسما ، وجعلوا أيام كل شهر ثلاثين يوما ، وزادوا في آخر (ماه ابان) خمسة أيام سموها اللّواحق ، والمسرقة ،