الأنعام ، الآية : ٧٩] الآية ، وكان قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) قبل التّبين ، وأراد بالسّقيم أنه ليس على يقين ولا شفاء من العلم ويقول الرّجل إذا سأل عن شيء فصدّق عنه وبين له : شفاني فلان فلما كان العلم واليقين شفاء صلح تسمية الحال التي قبل كنه البيان سقما.
وقد قال الله تعالى في قوم لم يكونوا على إيمان محض : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٠] ، وهذه الحال التي انتسب فيها إبراهيم عليهالسلام إلى السّقم هي الحال التي فيها البلوغ ، ووقوع التّكليف من الله عزوجل ولزوم أمره ونهيه ، والفاء في قوله تعالى : (فَتَوَلَّوْا) فاء عطف أيضا ينعطف بها ما هي معه من الكلام على قوله : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، فلما دعاهم إلى الله تعالى ، وأنكر عليهم عبادة ما يعبدون دون الله تولوا عنه مدبرين.
وزعم قوم لا يعقلون أنّ إبراهيم عليهالسلام كذب ثلاث كذبات هي واحدة منها ، وحاش للرّسول الذي اتّخذه الله خليلا أن يكذب ، أو يأتي بالقبائح ، والذي توجبه التلاوة وشهادة بعض القرآن لبعض ، ويحسن في أوصاف أنبياء الله وصفوته من عباده هو ما ذكرناه ، وتلخيص ما في هذه القصّة منذ ابتداء ذكر إبراهيم إلى حيث انتهينا أنّ الله تعالى أثنى على إبراهيم بأنّه وافق نوحا في الإيمان والإخلاص حتى توفّاه الله على ذلك سليم القلب لئلا يشرك به شيئا وأنه نظر فيما خلق الله من النّجوم فاستدلّ على خالقها بها وتبيّن له بالتأمل لها أنّ إلها وآلهة واحد ليس كمثله شيء وهو رب العالمين ، وخالق الخلق أجمعين ودعا قومه إلى مثل ما أراد الله ، وهداه له وزرى عليهم ، وعاب اختيارهم في عبادة الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنهم ولا عن أنفسها شيئا ، فتولّى القوم عنه مدبرين عند ذكره ربّه كما قال تعالى في الكافرين من قوم النبي صلىاللهعليهوسلم : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٦] وقال تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [سورة المدثر ، الآية : ٤٩] الآية. وقال تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) [سورة الزمر ، الآية : ٤٥] الآية. وقال بعض أهل النّظر إنه عليهالسلام رآهم يعتمدون فيما يعن لهم ويحدث وفيما يستأنفون من مبادئ الأمور ، ومفاتحها على النّظر في النّجوم وأحكامها ، فاقتدى بهم تأنيسا لهم وأخذا بعادتهم ليسكنوا إليه بعض السّكون وإن لم يركنوا كلّ الرّكون.
وقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، وإن قاله متأوّلا ، ففيه استبناء ، ورجاء رفق منهم إمّا لعلة ، وإما للتّربص به حتى يأمنوا شرّه ، ويشهد لهذا قوله : (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ٩٠] وهذا حسن قريب.
وقال بعضهم : قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) [سورة الصافات ، الآية : ٨٨] يعني به ما ينجم من نبات الأرض كأنه كان يقلب الأدوية متخيرا منها ما يقرب الشّفاء عنده ، وقيل