والقدر وأنت تصف الحكم ولا يجوز أن يكون متعلقا بلفظة الله لأنه تعالى لا تحويه الأماكن ولا تحيط به الأقطار والجوانب والمعنى بحكم يشبه حكم الله الذي محلّه ومكانه من الإصابة والغلبة والعلو فوق سبع سماوات وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) [سورة غافر ، الآية : ٧] ومنهم من يطوف به وكلّهم يسبح لله بالحمد له والاعتراف بنعمه والإيمان بجميع ما تعبد الله به خلقه ويستغفرون لمن في الأرض إلى الشفاعة التي قال الله تعالى ما حالهم (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) وقوله تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [سورة الحاقة ، الآية : ١٧](يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) [سورة الحاقة ، الآية : ١٨] يريد أن جميع من خلق الله من البشر في ذلك اليوم يعرضون بأعمالهم وأقوالهم ، وكلّ ما أعلنوه وأسرّوه أيام حياتهم فيحاسبون عليه ، وذلك كما يستعرض السلطان جنده بأسلحتهم ودوابهم وآلاتهم ، فأما العدد المذكور فهو مما استأثر الله به ومثله مما رأى الله تعالى إيهام الأمر فيه والكف عن بيانه كثير ، وذلك لتعلّق المصلحة بأن يكون حازما وسائر ما سألوا عنه إذا أجملناه.
فإنّا نقول في جوابهم الشامل لمقالهم المسقط لكلامهم لمّا أن كان أسفل الأشياء الثّرى وكان أعلى الأشياء السّماء السّابعة ثم الكرسي ثم العرش فكان الله تعالى قد جعل للأعلى في القلوب من التّعظيم والقدر والشّرف ما لم يجعل للأسفل ، كما عظّم بعض الشّهور وبعض الأيام وبعض اللّيالي وبعض السّاعات ، وبعض البقاع وبعض المحال ، وكان قد جعل للعرش ما لم يجعل للكرسي وجعل للكرسي ما لم يجعل للسّماء السّابعة ذكر العرش والكرسي والسّماء بما لم يذكر به شيئا من سائر خلقه فذكر مرة العرش والكرسي والسماء في جملة الخلق ، وأنّه عال على جميعها بالسلطان والقدرة والقوّة حيث قال تعالى : (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٠٦] وحيث قال تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) [سورة الكهف ، الآية : ٤٥] وقد يقول الرّجل فلان شديد الإشراف على عمّاله وليس يذهب إلى اشراف بدنه ورأسه ، قد خبّر الله أنه على كلّ شيء قدير ومقتدر وحافظ وظاهر ، وقد قال : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة الحديد ، الآية : ٣] والعرش شيء هو عال عليه بالقدرة ، والظّاهر عليه بالسّلطان وإنّما خصّه بالذكر إذ كان مخصوصا عندنا بالنّباهة وأنّه فوق جميع الخلق فذكر مرة في الجملة ومرة بالإبانة قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥] فخبّر أنه عال عليه وحافظ له ومانع له من الزّوال وقوله (كُرْسِيُّهُ) كقوله بيته ولو كان متى ذكر أنّ له كرسيا وعرشا فقد أوجب الجلوس عليهما كان متى ذكر بيته فقد أوجب أنّه ينزله ويسكنه وليس بين بيته وعرشه وكرسيه وسمائه فرق ، ولو كنّا إذا قلنا : سماؤه فقد جعلناه فيها كنّا إذا قلنا أرضه فقد جعلناه فيها قال تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ