بالحال ، ولذلك كان الذّات لا يخلو من الوجود والعدم معا إذ لو لم يكن الذّات معلومة في العدم للقديم تعالى لم يصح منه القصد إلى اختراعها وإيجادها وليس قولنا شيء مثل قولنا موجود ، بدلالة أنّك تقول هذا شيء زيد ، فتضيفه ويمتنع أن يقال : هذا موجود زيد ، وكان يجوز أن يحدّ القديم بأنه الشيء لم يزل والمحدث بأنّه الشيء عن أول كما يقال هو الموجود لم يزل والموجود عن أوّل ، وإذا كان قولنا معلوم غير متعلق بفائدة فيه وإنمّا تتعلّق فائدته بغيره فالواجب أن لا يكون قولنا شيء مفيدا من هذا الوجه.
ويمكن أن يقال : إنه يفيد الذّات فكلّ ذات يسمّى شيئا وكلّ شيء يسمّى بذات ، ويمكن أن يقال أيضا إنه يفيد المعلوم ، فصلا بينه وبين ما يسمّى محالا كاجتماع الضّدين لأنّ مثل ذلك لا يصحّ علمه ، قال وليس يخرج الذّات من أن يكون على حال مع كونه عليها يجوز أن يستحقّ غيرها ولا يجوز ، فإن كان يجوز عبّر عنها بأنها موجودة ، وإن كان لا يجوز عبّر عنها بأنها معدومة ، فلذلك يسمّى المعدوم بالشّيء كما يسمّى الموجود به لما كانا معلومين في الحالين جميعا لذلك قلنا : المراد بقولنا موجود إفادة حال من أحواله أيضا وحالة له أخرى وهي العدم. وفائدة قولنا معلوم أنّ عالما علمه لذلك جاز أن يقال معلوم زيد للشّيء الذي هو مجهول عمرو ، والحال واحدة ويستحيل أن يقال للشيء إنه موجود زيد أو معدوم عمرو على الأحوال كلها.
واعلم أنّ الله تعالى لما أوجب في حكمته عند تكليف المكلّفين مداواة دائهم بالرّحمة لهم والعطف عليهم والحلم عنهم ، وطلب صلاحهم من حيث لا يدرون ويؤلفهم من جانب لا يشعرون رسم لهم في تعبّدهم الرّجوع إليه في مهماتهم وسوغ لهم دعاءه في رفع مأربهم فقال : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) [سورة الأعراف ، الآية : ١٨٠](وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٦] الآية ثم أنزل في محكم كتابه من أسمائه ما بصّرنا وهدانا ومن صفاته ما قوّى إيماننا وإرشادنا ، لو لا ذلك والتأسّي بالنّبي صلىاللهعليهوسلم في أفعاله وقبول أقواله التي بها إبطال الضّلال ، وإذا كان كذلك فإنّ ما أثبتته التّلاوة يضاف إليه ما دوّنته الرّواية عن الصّحابة والتّابعين وما عدا ذلك مما لهج به ألسنة فصحاء الأمة والصّالحين من أهل اللغة.
فقد روي في التّفسير أنّ قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [سورة الأعراف ، الآية : ١٨٠] أنه تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ، وجاء في الحديث أنّ : «اسم الله الأعظم الله» وروى أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لله مائة اسم غير واحد من أحصاها دخل الجنة» فيجب أن ينظر فيه فيما سبكه التّحصيل ، وكما ذكرنا وينقى من درن الغباوة ويتلقّى بالقبول فيما يجوز إطلاقه على القديم تعالى ، والباقي يتوقّف فيه والوصف والصّفة