جميعا لا يكونان إلا كلاما وقولا فهو كالوعد والعدة. وسمعت شيخنا أبا علي الفارسي يقول : أسماء الله تعالى كلّها صفات في الأصل إلّا قولنا الله والسّلام لأنّ السّلام مصدر ، ولفظ الله بما أحدث من صفة ولزوم الألف واللّام له ، يعدّ من الصفات فصار متبوعا لا تابعا كالألقاب يريد يتبعه الصفات ويقدم به ، ومعناه الذي تحق له العبادة ، فإذا قلنا لم يزل إلها الذي حقّت له العبادة من خلقه إذ أوجدهم. وقولنا إله نكرة ويجمع على الآلهة قال تعالى : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [سورة القصص ، الآية : ٥] واشتقّ منه تألّه الرّجل إذا تنسّك ، قال :
سبّحن واسترجعن من تألّه |
|
لله درّ الغانيات المبدرة |
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أن عيسى عليهالسلام قال له رجل : ما الله؟ قال : الله إله الآلهة». وروي عن ابن عباس أنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. وروي في قوله تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٢٧] أنّ معناه وعبادتك ، فالأصل إله حذفت الهمزة منه وجعل الألف واللّام عوضا منه لازما وأدغم في اللّام التي هي عين الفعل ، فصار الاسم بالتّعويض والإدغام مختصا بالقديم حتى كأنّه ليس من الإله في شيء ، قال سيبويه : ومثله أناس والنّاس يريد في حذف الهمزة لا في التّعويض بدلالة قوله :
إنّ المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا
فجمع بين الألف واللّام والهمزة ، ولو كان عوضا لما جاز الجمع بينهما ، وقد قيل في قوله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٦٥] إنّ الاسم الذي لا سمّي له فيه هو قول القائل : الله بهذه البنية الصفية ، وقولهم في صفات الفعل : يا غياث المستغيثين ، ويا رجاء المرتجين ، ويا دليل المتحيّرين ، موضوع موضع الاسم وكلّ ذلك مجاز وتوسّع ، وكذلك قولنا : قديم إنما وجب له هذا لتقدمه لا إلى أول ، فهو صفة لذاته وليس ثبت بهذا معنى يسمّى قدما. وقوله تعالى : (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [سورة يس ، الآية : ٣٩] وفي آخر : (هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) [سورة الأحقاف ، الآية : ١١] يراد به تقدّم له وإن كان القصد إلى المبالغة.
فإن قيل : فهل يوجب إجراء لفظ القديم على الله تعالى وعلى الواحد منّا كما ذكرت تشبّها به؟ قلت : لا وذلك لأنّ الله تعالى قدم وتقدّم لنفسه والمحدث يقدم بأن الفاعل فعله في الأوقات المتقدّمة ، وإذا كان كذلك فقد اختلف موجب الصّفتين فلم يجب منهما تشبيه ، وعلى هذا قولنا : عالم في القديم والمحدث وقادر وسميع وبصير وحي وقدير وعزيز وملك ومالك ومليك ، على أنّه لو ساعدت العبارة لكان تفرد ما يستحق للذات بعبارة تلزمه ، ويخالف بها غيره وكانت الحيطة في ذلك ، لكنهم استطالوا ذلك وكان يكتفي بعلم الذات من لا يعلم حالها المختصة بها ، فاقتصدوا في العبارة كما اقتصدوا في الأخبار في بابي التذكير