فبعث إلى ابن رمّانة وأرسل اليه بمال ، وسأله أن يبنى له دار جدّه بأحكم ما يقدر عليه ، ويجعل له فيها حمّاما ويجعل له خوخة فى داره إذا اراد أن يدخله دخله. وقال : إنّ ذلك ذكر لك ولشيخك ، فحرّك ذلك ابن رمّانة فبناها وجعل سورها أكثر من ذراعين بذراع البناء ، وجعلها تدوّر بعمد رخام ، وجعل قاعدتها مستديرة ، ولم يجعل فوقها بناء.
ثم قدم عمر بن علىّ مصر ، وقد فرغ منها ابن رمّانة ، فقال له عمر : لقد اتّقنت غير أنك لم تجعل لها مسجدا.
فبنى المسجد الذي يعرف اليوم بمسجد القرون ، بناه مثل الدكّان الكبير ، ونحّاه عن الدار ، وجعل بينه وبين الدار فرجة وكان يجلس فيه. ثم بناه بعده أبو عون عبد الملك ابن يزيد ، ثم زاد فيه المطّلب بن عبد الله الخزاعى ، ثم احترق فبناه السّرىّ بن الحكم هذا البناء ، ثم مات عمر بن على فورث الحارث بن العلاء ـ وهو ابن أخيه ـ كل ما ترك ، وحبس الدار على الأقعد فالأقعد بالحارث بن العلاء من الرجال دون النساء أبدا ما تناسلوا ، وتقديم كلّ طبقة على من هو أسفل منها. (فإذا انقرض الرجال فهى على النساء كلّ من رجعت بنسبها إليه من الصلب) (١) فإذا انقرض النساء فهى وحمّامها وكومها المعروف بأبى قشاش يقسم ذلك أثلاثا ، فثلث فى سبيل الله ، وثلث فى الفقراء والمساكين ، وثلث على مواليه وموالى ولده وأولادهم أبدا ما تناسلوا بعد مرمّتها ، ورزق قيّم إن كان لها. فإذا انقرض الموالى فلم يبق منهم أحد فعلى الفقراء والمساكين بفسطاط مصر ومدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما يرى من وليّها (٢) من عمارتها.
واسم أبى عبد الرحمن يزيد بن أنيس بن عبد الله بن عمرو بن حبيب بن عمرو ابن شيبان بن محارب بن فهر. وعمرو بن حبيب هو آكل السّقب ، وأمّه السّوداء ابنة زهرة بن كلاب ، وهو الذي يقول فيه الشاعر :
بنو آكل السّقب الذين كأنّهم |
|
نجوم بآفاق السماء تنور |
وكان عند دار السلسلة فلا أدرى أهى هذه الدار أم (٣) غيرها حوض من رخام ،
__________________
(١) ما بين العضادتين سقط من طبعة عامر.
(٢) ك : «على ما يرى من وليها».
(٣) أ ، ك : «أو».