في عملية التغيير للحاضر الذي يعيشه ، والتخطيط الصحيح والسليم للمستقبل الذي يقدم عليه.
فإذا توفرت كل تلك العناصر لأية أمة ، فإنها ولا شك سوف تكون قادرة على أن تبني حضارة ، وتصنع لنفسها مستقبلا مغريا وزاهرا ومجيدا.
وقد كانت كل تلك العناصر متوفرة في منطقة اليمن ، باستثناء العنصر الأخير منها ، وكان فقدانها له بالذات هو السبب في أنها لم تستطع أن تفيد شيئا من تلك القدرات والإمكانات التي توفرت لها ، ولا يحدثنا التاريخ عن شيء ذي بال تميزت به اليمن في تاريخها القديم ، سواء على الصعيد الفكري ، أو الحضاري ، أو غير ذلك ، ولا كان فيها ما يعبر عن نظرة واعية ، أو عقلية متطورة تتلاءم مع حجم إمكاناتها تلك.
كما أن الديانة اليهودية المحرّفة ، التي سيطرت عليها حقبة من الزمن ، لم تستطع أن تقدم لها شيئا يذكر في مجال النهوض بأهلها ، والخروج بهم من ظلمات جهلهم ، والتخفيف من شقائهم وآلامهم ، تماما كما لم تستطع المسيحية المحرفة في الرومان ، والزرادشتية في الفرس ، أن تؤثرا تأثيرا يذكر في ذلك.
أما في الحجاز : فقد كانت كل تلك العناصر مفقودة ؛ ولكن عندما وجد العنصر الأخير منها ـ فقط ـ استطاعت هذه الأمة ـ وذلك هو الإعجاز حقا ـ أن تنتقل من أمة متوحشة بدائية ، تتصف بكل صفات الذل والمهانة ، إلى أمة لا تدانيها ، ولن تدانيها أية أمة أخرى على الإطلاق.
فعرب الحجاز لم يكونوا في الأكثر أهل زراعة ، لأن أرضهم لم تكن صالحة لذلك ؛ بسبب قلة المياه فيها ، حيث لم يكن فيها حتى نهر واحد