بالمعنى الصحيح للكلمة (١) ، كما أن الأمطار تقل فيها بشكل ملحوظ ، وكل ما كان هناك هو بعض الينابيع ، التي كانت تظهر في الشتاء ، وتجف في الصيف ، فيرحلون عنها بحثا عن غيرها ، هذا عدا عن أن الأرض نفسها كان فيها القليل مما يصلح للزراعة.
إذن ، فلا شيء يشد العربي إلى هذه الأرض ، أو يربطه بها ، ويجعله يحبها ، ويتفانى في سبيلها ، بل كان مصدر حياتهم ورزقهم هو : السيف ، والماشية ، والإبل بصورة عامة.
ولهذا نرى : أن أكثر ما يعز عليهم ، ويحتل مكانة في نفوسهم هو هذه الأمور بالذات ؛ فنرى الشاعر العربي يتغنى بالجمل ، والسيف ، والفرس ، ويتغزل بالرياح الطيبة ، التي تخفف عنه بعض ما يعانيه من آلام ؛ نتيجة حر منطقته ، ثم هو يناجي القمر والنجوم كثيرا أيضا.
وإذا ما رأيناه يبكي ـ أحيانا ـ الديار والأطلال ، فليس ذلك إلا لأنها كانت في وقت ما مصدر أنس له ، أو لأنه هو نفسه كان حضريا.
ولأن العربي هذا قد اتخذ الغزو والسلب وسيلة من وسائل العيش ؛ فإننا نراه يهتم بالتغني بمواقفه هذه ، ويفتخر باستمرار بشنّه الغارات فرسانا وركبانا.
ومن الجهة الأخرى ، فإنه دائما يتوقع أن يغزى ، وأن تشن عليه الغارات ، ولا يشعر بوجود سلطة تستطيع أن تحميه ، فهو في خوف دائم ، ورعب مستمر.
__________________
(١) راجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ١ ص ١٥٧ فما بعدها.