وإذا كان الأمن غير متوفر له ، فكيف يمكن أن تتوفر له الفرصة للتفكير في حياته ، ومحاولة الخروج من واقعه ، وتحسين ظروف عيشه ، ثم التخطيط للمستقبل بواقعية ، وأناة ، ثم العمل بهدوء واطمئنان على تنفيذ خططه ، وتحقيق آماله؟!
ومن الجهة الثالثة : كيف وأنى يمكن لآماله أن تنمو ، ولطموحاته أن تتجسد وهو في كل يوم يفقد أملا ، ويتحمل ألما
وخلاصة الأمر : أنه لا سلطة مركزية تستطيع أن تفرض هيبتها وهيمنتها بيسر وفعالية ، بل إن ذلك قد يتعذر بالنسبة إلى أمة تعيش حياة التنقل والغارة وتتحول باستمرار من مكان إلى مكان.
وقد كان العرب يتجنبون الالتحام بالجيوش المنظمة ـ لتفوقها عليهم ـ فإذا تعقبتهم تلك الجيوش هربوا إلى البادية ، واعتصموا بها ، وكذلك يفعلون إذا واجهوا الجيش ووجدوا فيه قوة (١).
وإذن .. فهم كانوا يفقدون كل أسباب النهضة والتقدم ، ولا يملكون منها حتى الأمل بالتغيير ، فضلا عن إرادته ، والعمل من أجله ، هذا فضلا عن أن الصفات الذميمة ، والعادات السيئة ، التي كانت تهيمن عليهم جماعات وأفرادا لم تكن تسمح لهم بأية نهضة ، أو أي تقدم نحو الأفضل ، إن لم تكن تزيد من بلائهم وشقائهم ، وتدفعهم خطوة بل خطوات إلى الوراء.
__________________
(١) راجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٥ ص ٤١٣ و ٤١٤ و ٤٢٠ ، وراجع : تاريخ التمدن الإسلامي المجلد الأول ، الجزء الأول ص ٧٠ وحياة محمد لهيكل ص ٣٩ ومحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ج ١ ص ٣٣.