الله أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدى في رأيك ، وأقرب إلى الحق؟ إنا نطعم الجزور الكوماء (١) ، ونسقي اللبن على الماء ، ونطعم ما هبت الشمال ، فقال له ابن الأشرف : أنتم أهدى منهم سبيلا (!!) (٢).
ولكن ذلك في الحقيقة وإن كان في نفسه حسنا ، ولكنه لا يعبر عن حسن فاعلي ، بحيث يعد فضيلة للعرب ، إلا إذا كان بذلهم للمال نابعا من إيمانهم بمثل أعلى ، يدفعهم إلى البذل والعطاء ، وهو رضى الله سبحانه وتعالى ، أو كان نابعا من عاطفة إنسانية ، مصدرها رؤية حاجة الآخرين ، والتفاعل معها ، بحيث يندفع إلى العطاء والبذل من دون سؤال أو تحريك.
وقد يكون الدافع أيضا إبعاد العار ، والتحرز من هجاء الشعراء ، وحتى لا يسير ذكرهم في البلاد في اللؤم والخسة ، ولا تتعرض أعراضهم وكراماتهم للمساس بها ، أو أملا بحسن الذكر ، وطيب الأحدوثة ؛ أو طمعا بزعامة قبيلة أو منافسة قرين.
وقد قلنا : إن بعض ذلك وإن كان حسنا في نفسه ، ولكنه لكي يعبر عن حسن فاعلي لدى من صدر عنه ، يحتاج إلى الربط بمثل أعلى ، أو بمعنى إنساني ، أو إيماني يوصل إلى رضا الله سبحانه.
بل إنك قد تجد في بعض الموارد ما يجعل من الدافع للممارسة في مستوى الجريمة بحق الإنسانية ، فإن التاريخ يروي لنا :
__________________
(١) الجذور : النياق المذبوحة ـ البعير الأكوم : الضخم السنام.
(٢) البداية والنهاية : ج ٤ ص ٦ ، والسيرة النبوية لابن كثير : ج ٣ ص ١١. ومصادر ذلك كثيرة ستأتي في أول غزوة الخندق إن شاء الله.