هذا كله ، بالإضافة إلى لزوم معرفة أساليب العرب ، وطرائق استعمالاتهم للكلام ومقاماتها ، فإن ذلك يفيد كثيرا في الوقوف على معاني القرآن ، وفهم مراميه.
وقد روي : أن بعضهم كان في مجلس الإمام السجاد «عليه السلام» ؛ فقال له : يا ابن رسول الله ، كيف يعاتب الله ، ويوبخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتاها أسلافهم ، وهو يقول : (لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)؟! (١).
فقال زين العابدين «عليه السلام» : «إن القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم ؛ يقول الرجل التميمي ، قد أغار قومه على بلد ، وقتلوا من فيه : أغرتم على بلد كذا ، وفعلتم كذا؟!
ويقول العربي : نحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خربنا بلد كذا ، لا يريد أنهم باشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل ، وأولئك بالافتخار : أن قومهم فعلوا كذا.
وقول الله عز وجل هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم ، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين ؛ لأن ذلك هو اللغة التي نزل بها القرآن ؛ ولأن هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم ، مصوبون لهم ؛ فجاز أن يقال : أنتم فعلتم ؛ إذ رضيتم قبح فعلهم» (٢).
ولا بد أيضا من معرفة خصوصيات الألفاظ وأسرار اختياراتها لمواقعها ، وقد روي : أنه لما نزل قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ
__________________
(١) الآية ١٥ من سورة الإسراء.
(٢) الإحتجاج ج ٢ ص ٤١ والبحار ج ٤٥ ص ٢٩٦.