قدمت ومعي رجلان من أصحابي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فطلبنا هل يضيفنا أحد؟ فلم يضيفنا أحد ، فأتينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقلنا : يا رسول الله ، أصابنا جوع وجهد ، وإنّا تعرّضنا هل يضيفنا أحد؟ فلم يضيفنا أحد ، فدفع إلينا أربعة أعنز (١) فقال : «يا مقداد خذ هذه فاحتلبها ، فجزّئها أربعة أجزاء ، جزء لي ، وجزء لك ، وجزءين لصاحبيك» ، فكنت أفعل ذلك ، فلمّا كان ذات ليلة شربت جزئي ، وشرب صاحباي جزءيهما ، وجعلت جزء النبي صلىاللهعليهوسلم في القعب ، وأطبقت عليه ، فاحتبس النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقالت لي نفسي : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد دعاه أهل بيت من المدينة فتعشّى معهم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يحتاج إلى هذا ـ زاد ابن حمدان : اللبن ، وقال : فلم تزل نفسي تديرني حتى قمت إلى القعب ، فشربت ما فيه ، فلمّا تقارّ في بطني أخذني ما قدم وما حدث ، فقالت نفسي : يجيء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو جائع ظمآن فيرفع القعب ، فلا يجد فيه شيئا ، فيدعو عليك ، فتسجّيت كأني نائم ، وما كان بي نوم ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسلّم تسليمة أسمع اليقظان ولم يوقظ النائم ، فلمّا لم ير في القعب شيئا ، رفع رأسه إلى السماء فقال : «اللهمّ أطعم من أطعمنا ، واسق من سقانا» ، فاغتنمت دعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأخذت الشفرة ، وأنا أريد أن أذبح بعض تلك الأعنز ، فأطعمه ، فضربت بيدي ، فوقعت على ضرعها ، فإذا هي حافل ، ثم نظرت إليهن جميعا ، فإذا هنّ حفّل ، فحلبت في القعب حتى امتلأ ، فأتيته ـ زاد ابن المقرئ : ... (٢) وأنا أتبسم فقال : «هيه بعض سوآتك يا مقداد» ، قلت : يا رسول الله اشرب ثم أجبر ـ وقال ابن المقرئ : الخبر ـ فشرب ثم شربت ما بقي ، ثم أخبرته ، فقال : «يا مقداد ، هذه بركة ، كان ينبغي لك أن تعلمني حتى نوقظ صاحبينا فنسقيهما من هذه البركة» ، قال : قلت : يا رسول الله ، إذا شربت أنت البركة وأنا فما أبالي من أخطأني.
أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، أنا إبراهيم بن محمّد بن الفتح ، نا محمّد بن سفيان بن موسى ، نا سعيد بن رحمة بن نعيم الأصبحي قال : سمعت ابن المبارك ، عن صفوان بن عمرو ، حدّثني عبد الرّحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه قال : جلسنا إلى المقداد بن الأسود بدمشق وهو يحدّثنا ، وهو على تابوت ما به عنه فضل ، فقال له رجل : لو قعدت العام عن الغزو ، قال : أبت (٣) البحوث (٤) ، يعني سورة التوبة ، قال الله عزوجل :
__________________
(١) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم : أربعة أعنز.
(٢) بياض بمقدار لفظة في الأصل وم ، و «ز» ، ود.
(٣) الأصل وم و «ز» : «آية» والمثبت عن د ، والمختصر.
(٤) البحوث ، ضبطها ابن الأثير بفتح الباء نقلا عن الفائق للزمخشري ، وفي اللسان : البحوث بضم الباء.