قرأت بخط أبي الحسين الرّازي ، حدّثني أبو سعد عدنان بن أحمد بن طولون المصري ، نا علي بن سراج المصري ، حدّثني أبو الصقر محمّد بن داود بن عيسى الرافعي قال : كان منصور بن المهدي يتولّى دمشق لمحمّد الأمين ، وكان أبي على شرطته ، وكان محمّد الأمين يعجبه البلور فدسّ من سرق قلّة دمشق ، وكانت من بلور ، فلما رأى إمام مسجد جامع دمشق مكانها فارغا ـ ويقال : إنّه كان شعيب بن إسحاق القرشي (١) المحدّث ـ انفتل عن الصلاة وجاء إلى وسط القبة الكبيرة التي بحذاء المحراب ، وأخذ قلنسوته وضرب بها الأرض وصاح بأعلى صوته : سرقت قلّتكم ، فقال الناس : لا صلاة بعد القلّة ، فصارت مثلا ، وكان منصور الذي أمر داود بن عيسى (٢) فأخذ القلّة وبعث بها إلى محمّد الأمين ، ووقع فتن في دمشق بسبب القلّة وغيرها ، فولّى محمّد الأمين سليمان بن أبي جعفر (٣) دمشق وأعمالها ، ورجع منصور بن المهدي إلى بغداد.
قال أبو الصقر : فحدّثني خالي إسحاق بن إبراهيم قال : لما انقضت أيام الأمين وصارت الخلافة إلى المأمون ورجع إلى بغداد من خراسان وجّه عبد الله بن طاهر (٤) إلى دمشق ، ووجهني معه ، فلمّا ودعت المأمون قال لي : خذ هذه القلّة التي سرقها ابن عمّك من مسجد دمشق فردّها عليهم ، قال : فأتيت دمشق ونحن مع عبد الله بن طاهر ، فرددت القلّة عليهم ظاهرا مكشوفا ، قال : وإنّما أراد المأمون ذلك الشّنعة على أخيه الأمين ، قال محمّد بن داود ابن عيسى : فشغبوا (٥) على منصور بن المهدي ، فجاءوا إلى أبي داود بن عيسى وهو على شرطته ، فحاربهم حتى أثخن في الجراح ، فجاءوا إلى دار الإمارة وفيها منصور بن المهدي ، فدخلها داود وأغمي عليه ، قال داود : فانتبهت (٦) ورأسي في حجر منصور بن المهدي وهو يقول لي : ما لك يا أبا الفوارس ، فأفقت وسقاني شربة سويق ، وصعدنا إلى سور القصر نحارب الغوغاء ، فشاور منصور بن المهدي القاضي في ذلك فقال : سلّم داود إليهم ، قال أبي : فقلت لمنصور : ائذن لي في قتله ، قال : فأشاروا عليه أن يولي بعض أهل دمشق عليهم ،
__________________
(١) راجع ترجمته في سير أعلام النبلاء ٩ / ١٠٣ وطبقات ابن سعد ٧ / ٤٧٢.
(٢) وكان على شرطة منصور بن المهدي ، كما في تحفة ذوي الألباب.
(٣) هو سليمان ابن المنصور ، أبو أيوب الهاشمي ، ترجمته في الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٩٤ وتاريخ بغداد ٩ / ٢٤.
(٤) هو عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق الخزاعي ، أبو العباس ، مات سنة ٢٣٠.
(٥) إعجامها غير واضح بالأصل وفي م : فشنعوا ، والمثبت عن د ، و «ز».
(٦) تقرأ بالأصل وم و «ز» : «فانتهت» وفي د : «فانتهت» ولعل الصواب ما أثبت.