قال سلمة : فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم وهو حى بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا. فقلنا له : ويحك يا فلان! ألست بالذى قلت لنا فيه ما قلت؟! قال : بلى ، ولكن ليس به! (١).
قال (٢) : وحدثني عاصم بن عمر ، عن شيخ من بنى قريظة ، قال : قال لى : هل تدرى عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ، نفر من هدل إخوة بنى قريظة كانوا معهم فى جاهليتهم ، ثم كانوا ساداتهم فى الإسلام؟ قال : قلت : لا ، قال: فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له : ابن الهيبان ، قدم علينا قبل الإسلام بيسير ، فحل بين أظهرنا ، لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلى الخمس أفضل منه ، فأقام عندنا ، فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا. فيقول : لا والله حتى تقدموا بين يدى مخرجكم صدقة. فنقول له : كم؟ فيقول : صاعا من تمر أو مدين من شعير. فنخرجهما ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقى لنا ، فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى ، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ، ثم حضرته الوفاة عندنا. فلما عرف أنه ميت قال : يا معشر يهود ، ما ترون أنه أخرجنى من أرض الخمر والحمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قلنا : أنت أعلم.
قال : فإنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبى قد أظل زمانه ، وهذه البلدة مهاجرة ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه ، وقد أظلكم زمانه ، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود ، فإنه يبعث بسفك الدماء وسبى الذرارى والنساء ممن خالفه ، فلا يمنعنكم ذلك منه.
فلما بعث الله رسوله صلىاللهعليهوسلم وحاصر بنى قريظة قال هؤلاء الفتية ، وكنا شبابا أحداثا : ابنى قريظة ، والله إنه للنبى الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان ، قالوا : ليس به. قالوا : بلى والله ، إنه لهو بصفته. فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم (٣). قال ابن إسحاق: فهذا ما بلغنا عن أحبار يهود.
قال (٤) : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسى من فيه ، قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان ، من
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد فى المسند (٣ / ٤٦٧).
(٢) انظر : السيرة (١ / ١٨٣ ـ ١٨٤).
(٣) أخرجه البيهقي فى الدلائل (٢ / ٨٠ ـ ٨١) ، وذكره ابن سيد الناس فى عيون الأثر (١ / ١٣١).
(٤) انظر : السيرة (١ / ١٨٤ ـ ١٨٥).