فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإنى والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا. وتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قوله. فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد عز وامتنع ، وأن حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه (١).
وعن محمد بن كعب القرظى ، قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيدا ، قال يوما وهو جالس فى نادى قريش ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم جالس فى المسجد وحده : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟
وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يزيدون ويكثرون. فقالوا : بلى يا أبا الوليد ، فقم إليه فكلمه.
فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا ابن أخى ، إنك منا حيث قد علمت من السطة فى العشيرة والمكان فى النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع منى أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، لعلك تقبل منا بعضها. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قل يا أبا الوليد أسمع».
قال : يا ابن أخى ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا لا تستطيع رده من نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه. أو كما قال له.
حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يسمع منه قال : «أقد فرغت يا أبا الوليد؟» قال : نعم. قال : «فاسمع منى». قال : أفعل ، قال : بسم الله الرحمن الرحيم (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) [فصلت : ١ ، ٤]. ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها يقرؤها عليه ، فلما سمعها عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها
__________________
(١) ذكره أبو نعيم فى حلية الأولياء (١ / ٤٠) ، وفى الدلائل (١٩٤) ، الهيثمى فى المجمع (٩ / ٢٦٧) ، ابن عساكر فى التاريخ (١٢ / ٧٢٠).