يستمع منه ، ثم انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال : «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك». فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.
فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال : ورائى أنى سمعت قولا ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعونى واجعلوها بى ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيى فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم (١).
قال ابن إسحاق (٢) : ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة فى قبائل قريش فى الرجال والنساء ، وقريش تحبس من قدرت على حبسه ، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ، ثم إن أشراف قريش من كل قبيلة ، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه.
فبعثوا إليه فجاءهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سريعا ، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء ، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم ، حتى جلس إليهم ، فقالوا : يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وشتمت الآلهة ، وسفهت الأحلام ، وفرقت الجماعة ، فلما بقى أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك ، أو كما قالوا به ، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تريد به الشرف فينا فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك ، وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا ، فربما كان ذلك ، بذلنا أموالنا فى طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.
فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما بى ما تقولون ، ما جئت بما جئت به أطلب أموالكم ولا
__________________
(١) انظر الحديث فى : كنز العمال للمتقى الهندى (٣٥٤٢٨) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ٢٠٤ ، ٢٠٥) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٦٢ ـ ٦٤).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٢٤٣).