به هدى ولا يعتدل بهم فيه قول (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) [الإسراء : ٤٩] أى قد جئت تخبرنا أنا سنبعث بعد موتنا إذا كنا عظاما ورفاتا وذلك ما لا يكون. (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الإسراء : ٥٠ ، ٥١] أى الذي خلقكم مما تعرفون ، فليس خلقكم من تراب بأعز من ذلك عليه. وسئل ابن عباس عن قول الله عزوجل : (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) ما الذي أراد الله به؟ فقال : الموت.
قال ابن إسحاق (١) : ثم إنهم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أصحابه ، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين ، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش ، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر ، من استضعفوا منهم ، يفتنونهم عن دينهم ، منهم من يفتتن من شدة البلاء الذي يصيبه ، ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم.
فكان بلال بن رباح وهو ابن حمامة لبعض بنى جمح (٢) مولدا من مولديهم ، وكان صادق الإسلام طاهر القلب ، فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره فى بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول وهو فى ذلك البلاء : أحد أحد.
وكان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب بذلك ، وهو يقول : أحد أحد ، فيقول : أحد أحد والله يا بلال! (٣) ثم يقبل على أمية ومن يصنع ذلك به من بنى جمح فيقول : أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا.
أى : لأتخذن قبره منسكا ومسترحما ، والحنان : الرحمة. حتى مر به أبو بكر الصديق يوما وهم يصنعون ذلك به فقال لأمية : ألا تتقى الله فى هذا المسكين؟! حتى متى؟!
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ٢٦٢).
(٢) بنى جمح : ينتسبون إلى جمح بن عمرو ، وهو بطن من العدنانية. انظر : معجم قبائل العرب (١ / ٢٠٢ ، ٢٠٣).
(٣) قال ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ١٠٧) : قد استشكل بعضهم هذا من جهة أن ورقة توفى بعد البعثة فى فترة الوحى ، وإسلام من أسلم إنما كان بعد نزول : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) فكيف يمر ورقة ببلال وهو يعذب؟ وفيه نظر.