قال : أنت الذي أفسدته فأنقذه. فقال أبو بكر : أفعل : عندى غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه به. قال : قد قبلت. قال : هو لك. فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك ، وأخذ بلالا فأعتقه (١).
وأعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب ، بلال سابعهم ، عامر ابن فهيرة ، وأم عبيس (٢) ، وزنيرة (٣) ، فأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى. فقالت : كذبوا وبيت الله ، ما تضر اللات والعزى ولا تنفعان. فرد الله إليها بصرها (٤).
وأعتق النهدية وابنتها ، وكانتا لامرأة من بنى عبد الدار ، فمر بهما أبو بكر وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهى تقول : والله لا أعتقكما أبدا. فقال أبو بكر : حلا يا أم فلان. فقالت : حل أنت ، أفسدتهما فأعتقهما. قال : فبكم هما؟ قالت : بكذا وكذا. قال : قد أخذتهما ، وهما حرتان ، أرجعا إليها طحينها. قالتا : أو نفرغ منه يا أبا بكر ثم نرده إليها؟ قال : أو ذلك إن شئتما (٥).
ومر بجارية بنى نوفل حى من بنى عدى ، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك ، فابتاعها أبو بكر فأعتقها. وقال له أبوه أبو قحافة : يا بنى ، إنى أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلداء يمنعونك ويقومون دونك؟ فقال أبو بكر : يا أبت إنى إنما أريد ما أريد.
فيتحدث أنه ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه وفيما قال أبوه : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) إلى آخر السورة [الليل : ٧] (٦).
__________________
(١) ذكره أبو نعيم فى حلية الأولياء (١ / ١٤٨) ، ابن سعد فى الطبقات (١ / ٢٤٣).
(٢) قال ابن عبد البر فى الاستيعاب (٤ / ٥٠٠) : أم عبيس ، قال الزبير : كانت فتاة لبنى تيم بن مرة فأسلمت ، وكانت ممن يعذب فى الله فاشتراها أبو بكر فأعتقها.
(٣) قال ابن عبد البر فى الاستيعاب (٤ / ٤٠٦) : زنيرة : مولاة أبى بكر الصديق ، هى أحد السبعة الذين كانوا يعذبون فى الله ، فاشتراهم أبو بكر وأعتقهم. انظر ترجمتها فى : أسد الغابة الترجمة رقم (٦٩٤٨) ، الإصابة الترجمة رقم (١١٢٢٢).
(٤) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ١٠٧).
(٥) ذكره ابن كثير فى البداية (٣ / ١٠٧).
(٦) ذكره الطبرى فى تفسيره (٣٠ / ٢٢١) ، الحاكم فى المستدرك (٢ / ٥٢٥) ، وابن كثير فى تفسيره (٨ / ٤٤٤).