فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه ، فأخذ أبو البخترى لحى بعير فضربه ، فشجه ووطئه وطأ شديدا ، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فيشمتوا بهم.
ورسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا وسرا وجهرا ، مباديا لأمر الله لا يتقى فيه أحدا من الناس.
فجعلت قريش حين منعه الله منها وقام عمه وقومه من بنى هاشم وبنى المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به ، يهمزونه ويستهزءون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل فى قريش بأحداثهم ، وفيمن نصب لعداوته ، منهم من سمى لنا ، ومنهم من نزل فيه القرآن فى عامة من ذكر الله من الكفار.
فكان من سمى لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية ، حمالة الحطب ، وإنما سماها الله عزوجل حمالة الحطب أنها كانت فيما بلغنى ، تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث يمر.
وكان أبو لهب يقول فى بعض ما يقول : يعدنى محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت ، فما ذا وضع فى يدى بعد ذلك! ثم ينفخ فى يديه ويقول : تبا لكما ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد!
فأنزل الله عزوجل فيهما : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [المسد : ١، ٥](١).
قال ابن إسحاق (٢) : فذكر لى أن أم جميل حين سمعت ما نزل فيها وفى زوجها من
__________________
(١) ذكره الشوكانى فى فتح القدير (٥ / ٧٤٥).
وروى البخاري فى سبب نزول هذا السورة عن ابن عباس أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى «يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش : فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدم مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقونى؟» قالوا : نعم ، قال : «فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد» ، فقال أبو لهب ألهذا جمعتنا؟ تبا لك فأنزل الله (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) إلى آخرها. وفى رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٢٩١ ـ ٢٩٢).