والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، وكانوا ذوى أسنان فى قومهم ، فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت فى الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه!.
فأنزل الله فيهم : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) ، السورة كلها ، أى إن كنتم لا تعبدون الله إلا أن أعبد ما تعبدون فلا حاجة لى بذلك منكم ، لكم دينكم ولى دين.
وأبو جهل بن هشام ، لما ذكر الله شجرة الزقوم تخويفا بها لهم ، قال يا معشر قريش : هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا : لا. قال : عجوة يثرب بالزبد! والله لئن استمكنا منها لنتزقّمنّها تزقما (١)!.
فأنزل الله فيه : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدخان : ٤٣] ، ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورسول الله يكلمه وقد طمع فى إسلامه ، فبينا هو فى ذلك مر به ابن أم مكتوم الأعمى ، فكلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجعل يستقرئه القرآن ، فشق ذلك منه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أضجره ، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه ، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا ، وتركه ، فأنزل الله فيه : (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) إلى قوله : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ) [عبس : ١ ، ١٤] (٢).
أى : إنما بعثتك بشيرا ونذيرا لم أخص بك أحدا دون أحد ، فلا تمنعه ممن ابتغاه ولا تتصد به لمن لا يريده.
قال ابن إسحاق (٣) : ولما بلغ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين خرجوا إلى أرض الحبشة إسلام أهل مكة فأقبلوا لما بلغهم ذلك ، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن ذلك كان باطلا ، فلم يدخل أحد منهم ، إلا بجوار أو مستخفيا.
وذكر موسى بن عقبة أن رجوع هؤلاء الذين رجعوا كان قبل خروج جعفر وأصحابه إلى أرض الحبشة ، وأنهم الذين خرجوا أولا قبله ثم رجعوا حين أنزل الله سورة النجم.
__________________
(١) لتزقمنها تزقما : أى تبتلعها ابتلاعا.
(٢) انظر الحديث فى : سنن الترمذى (٥ / ٣٣١) ، تفسير الطبرى (٣٠ / ٣٣) ، فتح القدير للشوكانى (٥ / ٥٤٤) ، المستدرك للحاكم (٢ / ٥١٤).
(٣) انظر : السيرة (١ / ٣٠٠ ـ ٣٠٢).