إليه وما معه روحه ، فقال : أعط هذا الرجل حقه. قال : نعم ، لا يبرح حتى أخرج إليه حقه. فدخل فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه ، ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء ، فقالوا : ويلك! ما لك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط ، قال : ويحكم! والله ما هو إلا أن ضرب على بابى وسمعت صوته فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلنى (١).
وذكر الواقدى عن يزيد بن رومان قال : بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا فى المسجد معه رجال من أصحابه أقبل رجل من بنى زبيد يقول : يا معشر قريش ، كيف تدخل عليكم المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم وأنتم تظلمون من دخل عليكم فى حرمكم. يقف على الحلق حلقة حلقة.
حتى انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى أصحابه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ومن ظلمك؟ فذكر أنه قدم بثلاثة أجمال كانت خيرة إبله ، فسامه أبو جهل ثلث أثمانها ثم لم يسمه بها لأجله سائم ، قال : فأكسد على سلعتى وظلمنى. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وأين أجمالك؟» قال : هى هذه بالحزورة. فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم معه وقام أصحابه ، فنظر إلى الجمال فرأى جمالا فرها. فساوم الزبيدى حتى ألحقه برضاه ، فأخذها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فباع جملين منها بالثمن ، وأفضل بعيرا باعه وأعطى أرامل بنى عبد المطلب ثمنه ، وأبو جهل جالس فى ناحية من السوق لا يتكلم. ثم أقبل إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا عمرو ، إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابى فترى منى ما تكره». فجعل يقول : لا أعود يا محمد ، لا أعود يا محمد ، فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأقبل عليه أمية بن خلف ومن حضر من القوم ، فقالوا : ذللت فى يدى محمد ، فإما أن تكون تريد أن تتبعه وإما رعب دخلك منه. قال : لا أتبعه أبدا ، إن الذي رأيتم منى لما رأيت معه ، لقد رأيت رجالا عن يمينه وشماله معهم رماح يشرعونها إلى ، لو خالفته لكانت إياها. أى لأتوا على نفسى.
وذكر محمد بن إسحاق (٢) عن أبيه قال : كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب أشد قريش ، فخلا يوما برسول الله صلىاللهعليهوسلم فى بعض شعاب مكة ، فقال له : يا ركانة ، ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه؟! قال : لو أعلم أن الذي تقول حق لا تبعتك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق؟ قال : نعم. قال : فقم
__________________
(١) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ٩٤ ـ ٩٥).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠).