حتى أصارعك. فقام إليه ركانة فصارعه ، فلما بطش به رسول الله صلىاللهعليهوسلم أضجعه لا يملك من نفسه شيئا ، ثم قال : عد يا محمد. فعاد فصرعه. فقال : يا محمد ، إن ذا للعجب أتصرعني!! قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمرى» ، قال : ما هو؟ قال : «أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتينى». قال :ادعها. فدعا بها ، فأقبلت حتى وقفت بين يدى رسول صلىاللهعليهوسلم فقال لها : «ارجعى إلى مكانك ، فرجعت إلى مكانها» ، فذهب ركانة إلى قومه فقال : يا بنى عبد مناف ، ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فو الله ما رأيت أسحر منه قط. ثم أخبرهم بالذى رأى وصنع (١).
قال ابن إسحاق (٢) : ثم قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بمكة عشرون رجلا أو قريبا من ذلك ، من النصارى ، يقال : إنهم من أهل نجران ، حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه فى المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ، ورجال من قريش فى أنديتهم حول الكعبة ، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما أرادوا دعاهم إلى الله وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم فى كتابهم من أمره ، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل فى نفر من قريش ، فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب! بعثكم من وراءكم من أهل دينكم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه! ما نعلم ركبا أحمق منكم. أو كما قالوا. فقالوا لهم : سلام عليكم لا نجاهلكم ، لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيرا.
فيقال والله أعلم : فيهم نزلت هؤلاء الآيات : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) إلى قوله : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص : ٥٢ ، ٥٥].
فقال (٣) : وقد سألت الزهرى فقال : ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلت فى النجاشى وأصحابه. والآيات من المائدة قول الله عزوجل : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً
__________________
(١) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ١٠٣) ، دلائل النبوة للبيهقى (٦ / ٢٥٠) ، أبى داود فى المراسيل (٣٠٨) ، البيهقي فى السنن الكبرى (١٠ / ١٨).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٣٢٠ ـ ٣٢١).
(٣) انظر : السيرة (١ / ٣٢١).